الجمعة، 3 أغسطس 2012

الكلام علي حديث ( مَن استغفر للمؤمنين كتب له بكل مؤمن حسنة)

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ... وبعد :
أولاً: لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، وما ورد في ذلك لا يثبت ، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في الأجر لا تتناسب مع العمل، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك :-

1-    عن عبادة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة )) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234) من طريق بكر بن خنيس عن عتبة بن حميد عن عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت .
وعيسى بن سنان : ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين في رواية. وانظر "تهذيب التهذيب" (8/212) .
وعتبة بن حميد : قال فيه أحمد : ضعيف ليس بالقوي . وقال أبو حاتم : صالح الحديث . 
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه . انظر "تهذيب التهذيب" (1/428).
فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده جيد. وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026) لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد.

2-    عن أم سلمة  رضي الله عنها  : أن رسول الله  صلي الله عليه وسلم  قال : ((من قال كل يوم اللهم اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة)) رواه الطبراني في الكبير(23/370) .
وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي ، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى : (ضعيف) ، (ليس حديثه بشيء) ، وقال مرة : (متروك الحديث) . وقال النسائي والدارقطني : (متروك) . وقد مشاه شعبة ، وقال : (اكتبوا عنه ، فإنه شريف) . وقال البخاري : سكتوا عنه . وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة ، لكنها منكرة الاسناد " .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف ".

3-    عن أنس  رضي الله عنه  ، جاء عنه من طريقين  :
- من طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي  صلي الله عليه وسلم بلفظ : ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز و جل عليه من آدم فما دونه)) رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182) وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم .
قلتُ (عمر) : فيه علتان :
الأولى : ضعف شعيب بن كيسان ،
والثاني : الانقطاع بينه وبين أنس ، فقد قال البخاري عقب إخراجه له : " لا يعرف له سماع من أنس ، ولا يتابع عليه ".
لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته ، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر ".
من طريق معمر عن أبان عن أنس مرفوعاً بلفظ: (( ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به ) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (2/217).
قلت : وأبان الذي يروي عنه معمر بن راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه . انظر "تهذيب التهذيب" (1/99).

4-    عن أبى الدرداء  رضي الله عنه  قال سمعت رسول الله  صلي الله عليه وسلم  يقول: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم ويرزق بهم أهل الأرض))
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : "رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة ، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء ، وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله المسمين ثقات " .

5-    عن أبى هريرة  رضي الله عنه  قال رسول الله  صلي الله عليه وسلم  : ((من لم يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فانها صدقة ))  رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/128) ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه من لم أعرفهم ".

6-     عن أبي سعيد الخدري  رضي الله عنه  عن رسول الله  صلي الله عليه وسلم  قال : (( أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، فإنها زكاة )) رواه ابن حبان (3/185) في صحيحه ، وإسناده ضعيف ؛ لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم ، وقد ضعفها أحمد وأبو داود وغيرهما ، انظر "تهذيب التهذيب" (3/209).

ثانياً: فضل الدعاء للمؤمنين والمؤمنات


الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام ، فقد دعا به نوح عليه السلام : (( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) (نوح/28).
ودعا به إبراهيم  عليه السلام  فقال:((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )) (إبراهيم/41).
وأمر الله سبحانه وتعالي نبيه أن يدعو به فقال : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) (محمد/19).
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) (الحشر/10).
فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر لإخوانهم المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217): عن ابن جريج قال : قلتُ لعطاء : أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات ؟  قال : نعم ، قد أُمر النبيُّ  صلي الله عليه وسلم  بذلك ، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس ، قال الله لنبيِّه  صلي الله عليه وسلم : (( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ )) ، قلتُ : أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً ؟ قال : لا ، قلت : فبِمَن تبدأ، بنفسك أم بالمؤمنين ؟، قال : بل بنفسي، كما قال الله : ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ )) " انتهى . 
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) : "والجميعُ مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه ، فكما يُحبُّ - أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه المسلم ، فيصير هِجِّيراه : ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين والمؤمنات ، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ يوم سبعين مرَّة ، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به ، وسمعتُ شيخَنا - أي ابن تيمية – يذكرُه ، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه ، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها ، وسمعتُه يقول : إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما أُصيب به ، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله بمغفرة الله وفضلِه ، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد ، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل ".
فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي  صلي الله عليه وسلم  ، ولخصوص الأجور المذكورة فيها ، وذلك لا يعني عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات .
والله أعلم ، وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد.

بقلم :-
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق