الاثنين، 6 أغسطس 2012

والعاقبة للمتقين


والعاقبة للمتقين
الحمد لله ، وصلاةً وسلاماً علي سيدنا رسول الله ، وعلي آله وصحبه ومَنْ والآه .... وبعد ...
فَأُوصِيكُم – إخواني وأخواتي - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ – ((وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرًا)) [الطلاق: 2- 3].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: في زَمَنٍ ادلَهَمَّتِ الخُطُوبُ فِيهِ وَاحتَدَمَتِ المِحَنُ، وَتَوَالَت عَلَى قُلُوبِ المُسلِمِينَ الشَّوَاغِلُ وَالفِتَنُ، وَتَدَاعَى الأَعدَاءُ عَلَيهِم تَدَاعِيَ الأَكَلَةِ عَلَى قَصعَتِهَا، في حِينِ قَلَّ النَّاصِرُ وَضَعُفَ المُعِينُ، وَوَهَنَتِ الأَسبَابُ الأَرضِيَّةُ وَتُخُلِّيَ عَن إِعدَادِ القُوَّةِ المَادِّيَّةِ، فَإِنَّهُ لا يَحسُنُ بِالمُسلِمِينَ وَلا يَجمُلُ بهم أَبَدًا، أَن يَجمَعُوا إِلى ذَلِكَ ضَعفًا في عِلاقَتِهِم بِرَبِّهِمُ الَّذِي بِيَدِهِ الخَلقُ وَالأَمرُ، ذَلِكُم أَنَّهُ - تَعَالى - وَعَدَ بِالنَّصرِ مَن يَنصُرُهُ، وَكَتَبَ التَّمكِينَ لِمَن يَعبُدُهُ وَلا يُشرِكُ بِهِ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ وَالهِدَايَةَ لِلمُجَاهِدِينَ، وَقَضَى بِالمَعِيَّةِ لِلمُحسِنِينَ وَالثَّبَاتَ لِلذَّاكِرِينَ.
 قَالَ - سُبحَانَهُ -: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج: 39- 40] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا) [النور: 55]، وَقَالَ - تَعَالى -: (قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128]، وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئَةً فَاثبُتُوا وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45- 46].
أَيُّهَا المُؤمِنُونَ:
إِنَّ التَّفَرُّغَ لِلعِبَادَةِ وَلُزُومَ الطَّاعَةِ، وَالاستِقَامَةَ في طَرِيقِ الهُدَى، وَالإِكثَارَ من ذِكرِ اللهِ، هِيَ زَادُ المُبتَلَى الصَّابِرِ وَحِليَةُ المَنصُورِ الظَّافِرِ، بها يُستَجلَبُ الخَيرُ وَيُستَدفَعُ الضُّرُّ، وَبِسَبَبِهَا تَطمَئِنُّ القُلُوبُ وَتَنشَرِحُ الصُّدُورُ، وَمَنِ استَوعَبَ عُمُرَهُ في عِبَادَةِ رَبِّهِ وَاشتَغَلَ بِذِكرِهِ، رَزَقَهُ اللهُ الصَّبرَ وَجَمَّلَهُ بِالرِّضَا، وَأَعَانَهُ وَحَفِظَهُ وَيَسَّرَ أَمرَهُ، وَمَلأَ قَلبَهُ غِنىً وَوَسَّعَ رِزقَهُ، قَالَ - سُبحَانَهُ - لِنَبِيِّهِ: (فَاصبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّحْ وَأَطرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرضَى * وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى * وَأمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى) [طه: 130- 132 ]، وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: (إذَا جَاءَ نَصرُ اللهِ وَالفَتحُ * وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدخُلُونَ في دِينِ اللهِ أَفوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَاستَغفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [النصر: 1- 3]، وَقَالَ - تَعَالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 45].
 وَقَالَ - تَعَالى - في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: «وَما تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افتَرضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بها، وإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعاذَني لأُعِيذَنَّهُ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَفي الحَدِيثِ الآخَرِ: «إِنَّ اللهَ - تَعَالى - يَقُولُ: يَا بنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَملأْ صَدرَكَ غِنىً وَأَسُدَّ فَقرَكَ، وَإِن لا تَفعَلْ مَلأتُ يَدَيكَ شُغلاً وَلم أَسُدَّ فَقرَكَ» رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَفي وَصِيَّتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لابنِ عَبَّاسٍ: " اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، اِحفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ يَعرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ، قَد جَفَّ القَلَمُ بمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَمِيعًا أَرَادُوا أَن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لم يَكتُبْهُ اللهُ عَلَيكَ لم يَقدِرُوا عَلَيهِ، وَاعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ عَلَى مَا تَكرَهُ خَيرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
إِنَّ التَّمَسُّكَ بِالحَقِّ وَاقتِفَاءَ السُّنَنِ وَالوُقُوفَ عِندَ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَتَنوِيعَ القُرُبَاتِ وَالإِكثَارَ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالحَاتِ، إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَهُوَ حِليَةُ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَزَادُ المُصلِحِينَ المُخلِصِينَ، وَإِنَّ أَمَامَ الأُمَّةِ غَايَاتٍ بَعِيدَةً، وَبَينَ أَيدِيهَا مَيَادِينُ طَوِيلَةٌ، لا يَفُوزُ فِيهَا وَلا يُهدَى إِلاَّ المُجَاهِدُونَ، وَإِنَّ ثَمَّةَ عَقَبَاتٍ صِعَابًا وَمُهِمَّاتٍ ثِقَالاً، وَأَزمِنَةَ فِتَنٍ وَمَلاحِمَ وَهَرجٍ وَمَرجٍ، لا يَتَجَاوَزُهَا وَيَحمِلُهَا إِلاَّ المُستَهلِكُونَ حَيَاتَهُم في عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ، وَقَد قَالَ - تَعَالى - لِنَبِيِّهِ: (يَا أَيُّهَا المُزَمِّلُ * قُمِ اللَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصفَهُ أَوِ انقُصْ مِنهُ قَلِيلاً * أَو زِدْ عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتِيلاً * إِنَّا سَنُلقِي عَلَيكَ قَولاً ثَقِيلاً) [المزمل: 1- 5] وَقَالَ لَهُ: (إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا عَلَيكَ القُرآنَ تَنزِيلاً * فَاصبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنهُم آثِمًا أَو كَفُورًا * وَاذكُرِ اسمَ رَبِّكَ بُكرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيلِ فَاسجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيلاً طَوِيلاً * إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُم يَومًا ثَقِيلاً) [الإنسان: 23- 27] وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - مُمتَدِحًا العِبَادَةَ وَلاسِيَّمَا في مِثلِ هَذِهِ الأَزمِنَةِ: «العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِليَّ» رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَعُودُوا إِلى رُشدِكُم، وَكُونُوا مَعَ اللهِ يَكُنْ مَعَكُم، طَهِّرُوا القُلُوبَ ممَّا اعتَرَاهَا، وَأَنقِذُوا النُّفُوسَ ممَّا اعتَلاهَا، حَقِّقُوا العُبُودِيَّةَ للهِ مَحَبَّةً لَهُ وَخَوفًا مِنهُ وَرَجَاءً، وَإِخلاصًا لَهُ وَتَوَكُّلاً عَلَيهِ، وَإِيَّاكُم وَالاستِهَانَةَ بِالمَعَاصِي كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثمِ وَبَاطِنَهُ، وَجَانِبُوا المُجَاهَرَةَ وَالزَمُوا الحَيَاءَ، تَنَاصَحُوا وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ، وَحَذَارِ مِن نِسيَانِ عَهدِ اللهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكُم دَيدَنُ مَن طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم مِنَ المُنَافِقِينَ، الَّذِينَ (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُم) [التوبة: 67]، ثم هُوَ قَاطِعٌ يَطُولُ بِهِ عَلَى الأُمَّةِ الطَّرِيقُ، وَتُمنَعُ بِسَبَبِهِ النَّصرَ وَالتَّمكِينَ وَالتَّوفِيقَ، فَاتَّقُوا اللهَ.
(وَلا تَشتَرُوا بِعَهدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيرٌ لَكُم إِنْ كُنتُم تَعلَمُونَ * مَا عِندَكُم يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ * مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) [النحل: 95- 97].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق