الأربعاء، 8 أغسطس 2012

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ

قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)) [سورة القدر : 1- 3].
لماذا سميت بليلة القدر؟؟!! 
سميت بذلك لأن اللّه تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره ، إلى مثلها من السنة القابلة ؛ من أمر الموت والأجل والرزق وغيره. ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم أربعة من الملائكة : إسرافيل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وجبريل. عليهم السلام.
وقيل : إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها ، من قولهم : لفلان قدر ؛ أي شرف ومنزلة. قال الزهري وغيره.
وقيل : سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً ، وثواباً جزيلاً.
وقال أبو بكر الوراق : سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها.
وقيل : سميت بذلك لأنه أنزل فيها كتابا ذا قدر ، على رسول ذي قدر ، على أمة ذات قدر.
وقيل : لأنه ينزل فيها ملائكة ذوي قدر وخطر.
وقيل : لأن اللّه تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.
 وقال سهل : سميت بذلك لأن اللّه تعالى قدر فيها الرحمة على المؤمنين.
 وقال الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ؛ كقوله تعالى : {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ضيق. [تفسير القرطبى : جـ20 صـ130 وما بعدها].
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: وفي تسميتها بليلة القدر خمسة أقوال :
أحدها : أنها ليلة العظمة ، يقال : لفلان قدر قاله الزهري . ويشهد له : وما قدروا الله حق قدره .
والثاني : أنه الضيق . أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون قاله الخليل بن أحمد ويشهد له : ومن قدر عليه رزقه.
والثالث : أن القدر الحكم كأن الأشياء تقدر فيها . قاله ابن قتيبة.
والرابع : لأن من لم يكن قدر صار بمراعاتها إذا قدر . قاله أبو بكر الوراق
والخامس : لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر وينزل فيها رحمة ذات قدر وملائكة ذوو قدر حكاه شيخنا علي بن عبيد الله. [التبصرة : جـ2صـ98 وما بعدها].

واختلف في ليلة القدر والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة:
 إن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينون دارهم بالفرش والبسط، ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة، فإذا كان ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض، لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان، ومساجدهم بالقناديل والمصابيح، فيقول الرب تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا) [سورة البقرة : الآية : 30].
فقلت لكم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين. [لطائف المعارف : صـ275].
قال مالك: بلغني: (أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أُرى أعمار الناس قبله أوما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر).
وقال النخعي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر. [لطائف المعارف : صـ275].

وليلة القدر ليلة عظيمة مباركة اختصها الله عز وجل بفضائل وخصائص كثيرة عن غيرها من الليالى منها:
1- أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم في هذه الليلة، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "أن القرآن الكريم أُنْزِل في ليلة القدر جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلي بيت العزة في السماء الدنيا". [تفسير ابن كثير : جـ4صـ648].
2- أن الله عز وجل العظيم؛ عظَّم شأنها وذكرها بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: أن دراية علوها ومنزلتها خارج عن دائرة دراية الخلق، فلا يعلم ذلك إلا علام الغيوب جل جلاله.
3-إن العبادة والعمل الصالح فيها: من الصيام والقيام والدعاء وقراءة القرآن خيراً من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
قال الإمام الطبري رحمه الله: "عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر" [تفسير الطبرى : جـ24 صـ534 طبعة مؤسسة الرسالة بيروت].
4-ليلة القدر لا يخرج الشيطان معها:
ودليل ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود  رضي الله عنه  أن النبي  صلي الله عليه وسلم  قال: "إن الشمس تطلع كل يوم بين قرني الشيطان إلا صبيحة ليلة القدر" [أخرجه ابن أبي شيبة فى المصنف - كتاب صلاة التطوع والإمامة وأبواب متفرقة - في ليلة القدر  - حديث:‏8535‏].
وفى رواية عند الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت  رضي الله عنه  عن النبي صلي الله عليه وسلم  قال: "ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ" [أخرجه أحمد فى مسنده - مسند الأنصار-  حديث عبادة بن الصامت - حديث:‏22173‏ وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 5472].
وفى رواية ابن حبان عن جابر  رضي الله عنه  عن النبي  صلي الله عليه وسلم  قال: "لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها" [أخرجه ابن حبان فى صحيحه  - كتاب الصوم-  باب الاعتكاف وليلة القدر -  ذكر وصف ليلة القدر باعتدال هوائها وشدة ضوئها-  حديث:‏3748‏].
ولذلك قال رب العالمين فيها: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرفهي ليله كلها خير وسلام، سالمة من الشيطان وأذاه.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: "في تلك الليلة تُصفَّد مردة الجن، وتُغلُّ عفاريت الجن وتفتح فيها أبواب السماء كلها ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب " [فتح القدير : للإمام الشوكانى جـ5 صـ473 طبعة دار الفكر بيروت].
وقال مجاهد: "هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوء ولا يحدث فيها أذى" [تفسير ابن كثير : جـ4 صـ650].
وقال أيضاً: "لا يُرسَل فيها شيطان ولا يحدث فيها داء"

5-أن الملائكة والروح تَنَزَّل في هذه الليلة، قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}. والمقصود بالروح: هو جبريل عليه السلام.
وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى، والملائكة تنزل بالرحمات والبركات والسكينة، وقيل: تتنزل بكل أمر قضاه الله وقدره لهذه السنة" [أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه - كتاب الصيام-  جماع أبواب ذكر الليالي التي كان فيها ليلة القدر في زمن -  باب ذكر كثرة الملائكة في الأرض ليلة القدر- حديث:‏2036‏ وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 5473].

6- أن الأمن والسلام يحل في هذه الليلة على أهل الإيمان: قال تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر}.
واختلفوا في تفسير هذه الآية على أقوال:-
فقيل: سلام من الشر كله، فلا يكون فيها إلا السلامة، وقيل: تنزل الملائكة في هذه الليلة تسلم على أهل الإيمان، وقيل: لا يستطيع الشيطان أن يمسَّ أحداً فيها بسوء، وقيل غير ذلك.
عن الشعبي في قوله تعالى: { مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر
وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سَلامٌ هِيَ} يعني هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر. [تفسير ابن كثير : جـ4 صـ650].
وقال الإمام ابن العربي رحمه الله: بعد أن حكى ثلاثة أقوال فى سبب هبة ليلة القدر لهذه الأمة والمنة عليهم بها ، قال: والصحيح هو الأول : أن ذلك فضل من الله ، ولقد أعطيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الفضل ما لم تعطه أمة في طول عمرها ، فأولها أن كتب لها خمسون صلاة بخمس صلوات ، وكتب لها صوم سنة بشهر رمضان ، بل صوم سنة بثلاثين سنة في رواية عبد الله بن عمر وحسبما بيناه في الصحيح ، وطهر مالها بربع العشر ، وأعطيت خواتيم سورة البقرة من قرأها في ليلة كفتاه يعني عن قيام الليل ، وكتب لها أن من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة ، ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، فهذه ليلة ونصف في كل ليلة ؛ إلى غير ذلك مما يطول تعداده .
ومن أفضل ما أعطوا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ؛ وهذا فضل لا يوازيه فضل، ومنة لا يقابلها شكر . [أحكام القرآن : لابن العربى جـ4صـ473 طبعة دار الحديث بالقاهرة].

7-أنهـا ليلـة مبــاركة قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ }.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}. [تفسير ابن كثير : جـ4 صـ167].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: يعني ليلة القدر أن مَن قامها إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه.

8- يتم فيها تقدير مقادير السنة: قال تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان الآية : 3].
قال ابن رجب رحمه الله : روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍأنها ليلة النصف من شعبان، والجمهور: على أنها ليلة القدر، وهو الصحيح. اهـ.

تحرى ليلة القدر فى الليالى الوتر من هذه العشر:
وقد ورد فى فضل ليلة القدر وتحريها فى الليالى الوتر أحاديث كثيرة عن النبى صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) [أخرجه البخاري فى صحيحه - كتاب الصوم-  باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية - حديث:‏1811‏].
قال الإمام ابن بطال رحمه الله: قوله : (إيمانًا) يريد تصديقًاً بفرضه وبالثواب من الله تعالى ، على صيامه وقيامه ، وقوله : (احتسابًا) ، يريد بذلك يحتسب الثواب على الله ، وينوى بصيامه وجه الله. [شرح صحيح البخارى : لابن بطال جـ4 صـ21].
وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) [أخرجه أحمد فى مسنده  - مسند الأنصار-  حديث عبادة بن الصامت - حديث:‏22124‏].

وقد بين لنا النبى صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر ليست فى ليلة معينة وإنما أرشدنا إلى تحرى هذه الليلة المباركة وطلبها فى الليالى الوتر من العشر الأواخر وقد جاءت فى ذلك أحاديث كثيرة منها:
عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان » [أخرجه البخاري  - كتاب صلاة التراويح-  باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر - حديث:‏1929‏،وأخرجه مسلم  فى صحيحه - كتاب الصيام-  باب فضل ليلة القدر  - حديث:‏2072‏].
عن ابن عمر - رضي الله عنها - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان متحرياً فليتحرها ليلة سبع وعشرين - أو قال - : تحروها ليلة سبع وعشرين » [أخرجه أحمد فى مسند ه- ومن مسند بني هاشم-  مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - حديث:‏6298‏ وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 2920].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن رجلا أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر ، فقال : « عليك بالسابعة » [أخرجه أحمد فى مسند ه - ومن مسند بني هاشم-  مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب  - حديث:‏2091‏].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين - وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال: "من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر", فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين" [أخرجه البخاري فى صحيحه - كتاب الاعتكاف - باب الاعتكاف في العشر الأواخر  - حديث:‏1938‏،وأخرجه مسلم فى صحيحه - كتاب الصيام- باب فضل ليلة القدر  - حديث:‏2068‏].
وقوله: "فوكف المسجد" أي قطر يقال: وكف البيت يكف وكفا ووكوفا: إذا قطر ووكف الدفع وكيفا ووكفانا: بمعنى قطر. [انظر: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : جـ1 صـ292].
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: وفي الحديث دليل لمن رجح ليلة إحدى وعشرين في طلب ليلة القدر ومن ذهب إلى أن ليلة القدر تنتقل في الليالي فله أن يقول: كانت في تلك السنة ليلة إحدى وعشرين ولا يلزم من ذلك: أن تترجح هذه الليلة مطلقا والقول بتنقلها حسن لأن فيه جمعا من الأحاديث وحثا على إحياء جميع تلك الليالي. [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : جـ1 صـ292].
وعن زر بن حبيش قال : سمعت أبي بن كعب يقول : وقيل له إن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ، فقال أبي : والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ، والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها لا شعاع لها. [أخرجه مسلم فى صحيحه - كتاب صلاة المسافرين وقصرها-  باب الترغيب في قيام رمضان  - حديث:‏1312‏].
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان ، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال : « إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ، إني رأيت أني أسجد في ماء وطين فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع » فرجعنا وما نرى في السماء قزعة ، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل - وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ، حتى رأيت أثر الطين في جبهته. [أخرجه البخاري فى صحيحه - كتاب صلاة التراويح-  باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر - حديث:‏1928‏، وأخرجه مسلم فى صحيحه  - كتاب الصيام- باب فضل ليلة القدر  - حديث:‏2069].
وعن عبد الله بن أنيس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وإذا بي أسجد صبيحتها في ماء وطين » . قال : فمطرنا في ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف ، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه. [أخرجه مسلم فى صحيحه - كتاب الصيام- باب فضل ليلة القدر  - حديث:‏2071‏].
وعن أبي بكرة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « التمسوها في تسع بقين أو سبع بقين ، أو خمس بقين ، أو ثلاث بقين ، أو آخر ليلة » [أخرجه ابن خزيمة  فى صحيحه - كتاب الصيام-  جماع أبواب صوم التطوع -  باب ذكر الدليل على أن الأمر بطلب ليلة القدر في الوتر- حديث:‏2021‏].
وعن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس فقال : « يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر ، وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان معهما الشيطان فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، التمسوها في التاسعة ، والخامسة ، والسابعة »قال : قلت يا أبا سعيد : إنكم أعلم بالعدد منا ، فقال ! أجل نحن أحق بذلك منكم ، قال : قلت : ما التاسعة ، والسابعة ، والخامسة ؟ قال : إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنان وعشرون فهي التاسعة ، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة ، فإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة. [أخرجه مسلم فى صحيحه - كتاب الصيام-  باب فضل ليلة القدر  - حديث:‏2070‏].
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى » [أخرجه البخاري فى صحيحه  - كتاب صلاة التراويح-  باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر - حديث:‏1932].
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريا فليتحرها في السبع الأواخر » [أخرجه البخاري  فى صحيحه- كتاب صلاة التراويح- باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر - حديث:‏1927‏، صحيح مسلم  - كتاب الصيام- باب فضل ليلة القدر  - حديث:‏2059‏].
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : « خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة » [أخرجه البخاري  فى صحيحه - كتاب صلاة التراويح-  باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس - حديث:‏1934].
قال الإمام البغوي رحمه الله :
وفي الجملة : أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها ، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، واسمه الأعظم في الأسماء ، ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها .
إذا تقرر هذا وعلمت ما ورد من الحث عليها ، فاعلم أنه ينبغي لكل موفق مريد للكمال والسعادة الأبدية أن يبذل وسعه ويستفرغ جهده في إحياء ليالي العشر الأخير وقيامها لعله أن يصادف تلك الليلة الجليلة التي اختص الله تعالى بها هذه الأمة ، وآتاهم فيها من الفضل ما لا يحصره العدد .[تفسير البغوى : جـ8صـ490].
وقال الإمام البيهقى رحمه الله:
ومعنى ليلة القدر: الليلة التي يقدر الله تعالى لملائكته جميع ما ينبغي أن يجري على أيديهم من تدبير بني آدم ومحياهم ومماتهم إلى ليلة القدر من السنة القابلة وكان يدخل في هذه الجملة أيام حياة النبي صلى الله عليه وسلم أي يقدر فيها ما هو منزله من القرآن إلى مثلها من العام القابل.
فقال الله تعالى في وصف هذه الليلة : {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} أي مبارك فيها لأولياء الله عز وجل فإنها جعلت خيراً من ألف شهر أحيوها فقدروها حق قدرها واقطعوها بالصلاة وقراءة القرآن والذكر دون اللغو واللهو ثم قال: {إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم} أي كل أمر مبني على السداد والحكمة.
ومعنى {يفرق} يفصل ليكون ما يلقى إلى الملائكة في السنة مقدراً بمقدار يحصره عليهم. [فضائل الأوقات : أحمد بن الحسين البيهقي أبو بكرجـ1صـ214].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق