الاثنين، 30 أبريل 2012

كيف تحمي نفسك من السحر والجن والعين و الوسواس والهم والحزن

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله, أما بعد...
فقد شرع الله سبحانه وتعالي لعباده ما يتقون به شر العين والسحر وغيرهما من الشرور قبل وقوعها. وإليك عددا من وسائل الوقاية منها بإذن الله.
وسائل الوقاية من الشياطين:
 1. المحافظة علي جميع الفرائض والواجبات والابتعاد عن جميع المحرمات والتوبة من جميع السيئات.
 2. قراءة سورة البقرة فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه.
 3. قراءة آية الكرسي فمن قرأها عند النوم فإنه لا يقربه شيطان حتى يصبح.
 4. قول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير". (مائة مره) فإنها حرزا من الشيطان اليوم كله.
5. ذكر الله, فإن الشياطين تخنس عند ذكر الله.
 6. إمساك الصبيان ساعة الغروب فإن الشياطين تنتشر حينئذ.
 7. الاستعاذة بالله من كيدهم.
 وسائل الوقاية من الجن:
 1. قراءة آية الكرسي.
 2. قول: " بسم الله"عند كل عمل.
 3. قول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" عند نزول أي منزل.
 4. المحافظة علي أذكار الصباح والمساء ودخول المنزل والخروج منه ودخول الخلاء وغيرهما من الأذكار.
 وسائل الوقاية من السحر:
 1. قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين.
 2. التحصن بالأذكار والتعويذات المأثورة.
3. أكل سبع تمرات عجوة في الصباح (من تمر المدينة).
وسائل الوقاية من العين:
 1. قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين و آية الكرسي وفاتحة الكتاب.
 2. قول: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".
3. تعويذ الصبيان كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين" أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه".
4. ستر محاسن من يخشى عليه من الإصابة من العين.
 وسائل الوقاية من الوسواس:
 1. الاستعاذة بالله من الشيطان ووسوسته.
 2. قراءة سورة الناس والفلق.
 3. ذكر الله فهو أنفع علاج في دفع الوسوسة.
 4. عدم الالتفات والاسترسال مع تلك الوساوس.
 وسائل الوقاية من الهموم والأحزان:
 قل:" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"
هذا ما تيسر من جمعه ونسأل الله أن ينفع به وصلي الله علي نبينا محمد.
 
 بقلم : 
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

السبت، 28 أبريل 2012

مفهوم الدولة في الإسلام


الدولة الإسلامية تختلف في الهدف، والوظيفة، ومصدرية التشريع، والشمولية، عن غيرها مِن النماذج البشرية الوضعية التي شهدها التاريخ الإنساني.
وظيفة الدولة الإسلامية
الوظيفة الرئيسية للدولة الإسلامية هي إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين، ففي الإسلام )) وظيفة الدولة القيام على الدعوة الإسلامية، وإقامة الشريعة الإسلامية، وقيادة الأُمَّة وفق هذه الشريعة)).
مصدرية التشريع في الدولة الإسلامية
تقوم الدولة في الإسلام على تشريع رباني المصدر، وبالتالي فهو تشريع معصوم لأنه مِن لدن العليم الخبير. فـإنَّ الدَّوْلة الإسلامية تجعل دستورها مُسْتَمَدَّاً مِن كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتستمِد منهما أُمهات الأخلاق وأساسيات العقائد، فهو قانونهم الأكبر الذي ترجع إليه كل القوانين الفرعية. إنَّ مِن أهداف مرحلة التمكين وضع نظام نابع مِن الإسلام ومصادر الشريعة، يتناول كل مناشط حياة الناس الفردية والعامة .
والحُكم في الدولة الإسلامية نابع مِن شرع الله، فـإنَّ المُسْتَنَد القانوني للحُكم في الدولة الإسلامية هو الإسلام، فالقوانين التي تحكُم في الدولة الإسلامية هي مِن عند الله، وإطاعتها على ذلك واجبٌ لا بُدَّ منه، والإنسان تطمئن نفسه إلى طاعة ربه وخالقه، بقدر ما تنفر مِن طاعة قوانين بشر مثله.
الدولة الإسلامية لا تفصل بين الدين والسياسة
وهذا يختلف عما يدعو إليه العَلمانيون مِن الفصل بين الدين والدولة، وبخلاف الدولة المدنية التي لا دخل لحُكم الدين في شؤونها، فالله شَرع الأحكام التي تُنظم المجتمع الإسلامي، وطالَب المسلمين بتنفيذ هذه الأحكام، ومعاقبة المتمردين على تلك الأحكام، بإقامة الحُدود والقَصاص مِن المعتدين، وكل ذلك يحتاج إلى سلطة سياسية. وتلك السلطة السياسية هي الدولة الإسلامية.
والشريعة الإسلامية حددت ملامح الحُكم في الدولة، فـإنَّ الدستور الإسلامي للدولة الصالحة يشتمل على قواعد ونُظُم تقوم بتوضيح نظام الحُكم، وتنظيم السلطات العامة وارتباط بعضها ببعض، وتحديد كل سُلطة مِن السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، بكل دقة ووضوح، وتوضيح حقوق الأفراد على الدولة وواجباتهم نحوها، والحقوق بكل تفصيلاتها معنوية ومادية، وكذلك الواجبات والالتزامات، ووضع القوانين المفَصِّلة للدستور.
والدولة في الإسلام مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة، فـإنَّ أجيال المسلمين في الماضي البعيد والحاضر القريب، توقِن إيقاناً راسخاً بأنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين دولة الإسلام وعقيدة الإسلام، فقُوَّة الدولة رفعة للعقيدة وحماية للعقيدة. ومما يدُل على عُمق الشعور بالارتباط بين الدولة والعقيدة لدى جماهير المسلمين خلال التاريخ الإسلامي أنه – وكما هو موجود بكثرة في كُتُب الحديث والسِيَر والتاريخ – كان علماء المسلمين وقُوَّاد جيوشهم وأفاضل كل عصر، إذا بايعوا الخليفة (منذ عهد أبي بكر فمَن بعده) يبايعونه على كتاب الله وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فربطوا البيعة بالكتاب والسنة لتظل الدولة قائمةٌ عليهما، ولتستمد بقاءها ومبرر وجودها مِن الحفاظ عليهما.
هل هناك فَرْق بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية (الثيوقراطية) ؟
يختلف مفهوم الدولة في الإسلام عن مفهوم الدولة الدينية الثيوقراطية التي عرفها الغرب في عصور الظلام. وأوجه الخلاف نذكر منها :-
نظام الحُكم
في الدولة الدينية الثيوقراطية، نظام الحُكم ديكتاتوري، والحُكم الإسلامي بريء مِن الديكتاتورية التي تجعل الحاكِم إلهاً لا يُسأَل عما يفعل وتجعل قولَه القَوْل وحُكمَه الحُكم، الحاكم في الإسلام مُقَيَّد بالشرع محاسَب على أفعاله عند المسلمين.
الحاكِم
الحاكم في الدولة الإسلامية مثله مثل المحكومين في الخضوع لحُكم الشرع، والمحكومون لهم الحق في محاسبة الحاكم إنْ خالف الشرع أو إنْ قَصَّر في أداء الدَّوْر المنوط به. أما في الغرب، كان الملوك يستعبدون الناس لأنفسهم زاعمين أنَّ لهم سلالة عرقية خاصة أسمى مِن العنصر البشري المشترك، وغلا بعض الطواغيت وادعى أنه إله أو مِن نسل الآلهة كما فعل أباطرة الروم، ولم يكن ليدور في خلد أي منهم أنَّ للأُمَّة عليه واجبات وحقوقاً، وأنَّ الكرسي والمنصب تكليف لا تشريف، بل كانوا يرَوْن أنَّ ما تقدمه لهم الأُمَّم مِن مراسم الخدمة والولاء والخضوع المذِل والتضحية بالنفس والنفيس لأجلهم ليس إلا واجباً مقدساً يقومون به تجاه العرش المحروس. جاء الإسلام فنسف هذه الفكرة مِن أساسها ورَدَّ العبودية كلها لله وحده، وفرض على الحُكَّام تبعات ومسؤوليات تُناسِب مركزهم في الأُمَّة، فرأى الناس في معظم أنحاء المعمورة الولاة المسلمين يرعون مصالحهم وينهضون بأعباء المسؤولية كاملةً في الوقت الذي لا يتميزون فيه عن الأُمَّة بفارق كبير.
مصدرية التشريع
سبق أنْ بينَّا أنَّ مصدرية التشريع في الدولة الإسلامية هي شرع الله. أما الدول الأخرى في القديم والحديث تقوم على تأليه غير الله، أو على الكفر بالله، والذين يحكمون في هذه الدول على اختلاف نزعاتهم ومشاربهم هم الذين يضعون القوانين التي تحكم البشر، لا فرق في ذلك بين الدِّوَل الديمقراطية أو الشيوعية أو الديكتاتورية، وهذا في اصطلاح القرآن شِرك، لأنَّ الله وحده هو الذي مِن حقه أنْ يُشَرِّع لعباده، وقد ذمَّ اللهُ اليهودَ والنصارى باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً مِن دون الله، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [سورة التَّوْبة 31]، واتخاذهم إياهم كذلك سببه متابعتهم في التشريع المخالف لشرع الله. الحكام في الدولة الإسلامية كالأفراد، كلهم يطيعون أمر الله ويُنَفِّذون حُكمه، ولا يجوز لهم الخروج عن شرع الله.
وختاماً نقول أنَّ في الدولة الإسلامية كل ما تصبو إليه وتبحث عنه البشرية التائهة.
نسأل الله تعالى أنْ ترجع أُمَّة الإسلام إلى دينها، وكتاب ربها وسُنَّة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهذا هو السبيل الوحيد لاستعادة عزتها ومكانتها بين الأمم.
-------------------
المصادر  والمراجع:-
-      السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية – شيخ الإسلام ابن تيميه
-      من فقه الدولة في الإسلام – سماحة العلامة أ.د.يوسف القرضاوي
-      النظرية العامة لنظام الحكم في الإسلام – د.عطية عدلان
-      نحو ثقافة إسلامية أصيلة – أ.د. عمر سليمان الأشقر.
-      فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم – د. علي الصلابي.
-      العلمانية: نشأتها وتطورها وأثرها في الحياة الإسلامية المعاصِرة – د. سفر الحوالي.
-      كتاب الإسلام والسياسة : أ.حسين فوزى.

بقلم : 
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

المرجعية الإسلامية والدولة الدينية



الدولة الدينية شيء والدولة ذات المرجعية الإسلامية شيء آخر.. شيء ليس مختلفا فحسب، بل إنه بالكلية مخالف. والمخالفة تعني وجود تناف بين المعنيين وتغاير بين المنظومتين، واختلاف جذري بين المرجعيتين.
فالدولة الدينية تحيل إلى المقدس، أي إلى مرجعية السلطة المقدسة، تلك التي تزعم أن لها صفة تعلو على الصفة البشرية ما دامت من طبيعة غير آدمية. إنها دولة الحق الإلهي أو الحق المقدس للملوك.
أما الدولة ذات المرجعية الإسلامية فليست من الدولة الدينية في شيء، وقد يكفي في فهم ذلك أن نقول إنه لا أحد من فقهاء الفكر السياسي في الإسلام في العصر الوسيط، حيث كانت نظرية الحق الإلهي هي السائدة في العالم المسيحي، كان منه ما يشبه بالتقاء مع نظرية الحق المقدس، أي السلطة التي تعلو على الطبيعة البشرية وتجعل الماسك بزمامها فوق المحاسبة ما دام يستمد التفويض من الإله ذاته.
نعم إن لدولة الخلافة كما يبسطها الماوردي أو غيره من منظري الدولة في الإسلام صلة قوية بالشرع وللدين الإسلامي فيها حضور قوي، فاعل، ولكن هذا الواقع يفيد بأن المرجعية العليا للدولة إسلامية دون أن ينفي عن الدولة مقتضيات السياسة والفعل السياسي البشري الذي يحتمل الإصابة والخطأ ويستدعي التقويم والمراجعة ويستوجب تقديم الحساب والخضوع لشروط بشرية محضة. بنية الدولة التي يشرع لها الفقيه السياسي في الإسلام بناء سياسي يقوم بموجب قوانين السياسة ويعمل بموجب أحكامها وآلياتها ويستمد من تجارب الأمم والشعوب المختلفة، مسلمة كانت أو غير ذلك.
فعندما ترتفع اليوم، في هذه الجهة أو تلك، في الساحة العربية أصوات تدين الدولة الدينية فهي تكون في حقيقة الأمر في توافق كامل مع مقتضيات الدين الإسلامي كما يدركها الفكر السياسي في الإسلام .
ما هي الدولة المدنية وما السمات الكبرى التي تميزها عن الدولة الدينية؟
الدولة المدنية، في وصف عام لها، هي دولة القانون والمؤسسات، فالقانون هو السلطة العليا التي يكون الاحتكام إليها، والكل سواسية أمام القانون، والمؤسسات تقوم في استقلال عن الأفراد والسلطات متمايزة عن بعضها البعض، فلا تداخل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والسلطة القضائية في استقلال عن السلطتين، وهذه بعض العناصر التي تشرح الدولة المدنية من حيث بنيتها.
والدولة المدنية، من حيث العماد الحقوقي الذي تقوم عليه، هي دولة المواطنين، والمواطنة هي الرابطة القوية التي تربط بين المنتسبين إلى البلد الواحد والدولة الواحدة.
والآن ما الصورة التي كانت ترتسم للدولة في الوعي الإسلامي في العصر الوسيط الإسلامي؟
من العبث أن ندعي أنها صورة الدولة المدنية علي النحو الذي لمحنا فيه أعلاه إلى بعض سمات هذه الأخيرة (المواطن، المواطنة، الجنسية، تداول السلطة...) ولكن من الخطل في الرأي والخلل في الإدراك أن نقول إن الدولة الإسلامية، كما يشرع لها أبو الحسن الماوردي ومن كانوا في مستوى علمه وسعة أفقه من العلماء والمنظرين للفكر السياسي، نظير أو مقابل موضوعي للدولة الدينية. لا نرسل القول على عواهنه ولا يتسع المقال لبسط القول في «دولة الخلافة»، ولكننا ننبه إلى جملة أوليت لأي أحاديث المفكرين السياسيين الذين نعتبرهم سلطة مرجعية يصح الاحتكام إليها. أول هذه الحقائق هو أن الهم الذي يوجه المفكر السياسي، من طينة من نشير إليهم، هم سياسي، بمعنى أنه يتصل بالوجود العيني للبشر وبتدبير العلاقات التي تقوم بينهم بحسبانهم بشرا. وثاني الحقائق أن الفكر السياسي في الإسلام كان دوما منفتحا أكبر ما يكون الانفتاح على «تجارب الأمم» ومن ثم كان همه تحري طبائع العمران (كما يقول ابن خلدون) والبحث عما يقضي به «حكم الوقت» (كما يقول الماوردي). وحيث إن الكثيرين ممن يتحدثون اليوم عن الدولة الإسلامية من حيث إنها تتصل من جهات شتى بالدولة الدينية (كما عرضنا لخصائصها الكبرى في الحلقة السابقة) فنحن قد نفاجئ هؤلاء متى ذكرنا أن الفقيه الشافعي، المعتبر عمدة في المذهب، يرى أن في الإمكان إسناد وزارة التنفيذ (وبالتالي الوزارة في لغتنا اليوم) إلى الذمي، وبالتالي فليس الإسلام شرطا مطلقا في تقلد الوزارة في الدولة الإسلامية. وبالتالي فقد كانت الدولة في الإسلام دولة انفتاح لا انغلاق، دولة تقصي شرع الله على الحقيقة، دون تزييف وإسفاف، دولة شعارها الأكبر: حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله. ومن ثم فهي تكون مرنة مفتوحة.
والله أعلم ، وصلي الله علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه والتابعين.

بقلم : 
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الخميس، 12 أبريل 2012

أحكام الوضوء وفضائله


أيُّها الأخ الحبيب: دين الإسلام دين نظافة وطهارة، وملَّة تهذيب ونزاهة، طهَّر الله به القلوب والأبدان، وهذَّب به السلوك والأخلاق، فكما اعتنى الإسلامُ بتطْهير الباطن من الشِّرْك والمعاصي، اعتنى بتطْهير الظَّاهر من الحدَث والنَّجاسة؛ وذلك لأنَّ طهارةَ الظَّاهر دليلٌ وعُنوانٌ على طهارة الباطن.
أخي الغالي : إنَّ ممَّا أوْجب الله علينا في كتابه وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عبادةً ذات أثر على القلْب والبدن، رتَّب الله عليْها الثَّواب الجزيل والأجْر العظيم، تلْكُمُ العبادة هي عبادة الطَّهارة من المعاصي وسيئ الأخلاق، والطَّهارة من الأحداث والأدْران، فهي عبادة ذات شقَّين :-
1-    طهارة معنوية
وعليها المعوَّل؛ أن يطهِّر الإنسان قلبَه ونفسَه من الشِّرْك والذُّنوب والعِصْيان، وهذه الطَّهارة هي الَّتي أرسل الله جَميع الرُّسل لأجلها؛ (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36]،
2-    أمَّا الطَّهارة الأُخْرى فهي رفْع الحدث وإزالة الخبث.
أيُّها القارئ الكريم : إنَّ مِن أوائِل ما أنزل اللهُ على رسولِنا من التَّشْريعات قوله - سبحانه -: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[المدثر: 4]، والمقصود من الطَّهارة هنا كما ذكَر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ثلاثة أنواع: الطَّهارة من الكُفْر والفسوق، والطَّهارة من الحدث، والطَّهارة من النَّجاسات كلِّها.
ولقد جاءتِ الطَّهارة في النِّداءات الأولى لهذه الشَّريعة؛ لتُبيِّنَ أهميةَ الطهارة في الإسلام، وعظم منزلتِها، وقد جاء النَّصُّ في القُرآن الكريم بمحبَّة الله - سبحانه - للمتطهِّرين: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ)[التوبة: 108]، قال ابن سعد - رحمه الله -: "يتطهروا من الذنوب، ويتطهَّروا من الأوساخ، والنجاسات، والأحداث". ا. هـ.
إنَّ الوضوء للصَّلاة من أعظم الطَّهارات التي رتَّب الله عليْها الأجْر العظيم، فهو سبب لِمَحْو الخطايا ورفْع الدرجات؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا توضَّأ المؤمِن فغسل وجهَه، خرج من وجهِه كلُّ خطيئةٍ نظَر إليْها بعينيْه مع الماء أو مع آخِر قطْر الماء، فإذا غسل يديْه خرج من يديْه كلُّ خطيئة بطشتْها يداه مع الماء أو مع آخِر قطْر الماء، فإذا غسَل رجليْه خرجتْ كلُّ خطيئةٍ بطشتْها رِجْلاه مع الماء أو مع آخِر قطْر الماء، حتَّى يخرج نقيًّا من الذُّنوب))؛ [أخْرجه مسلم].
والوضوء هو السِّمة الَّتي تتميَّز بها أمَّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأُمم يوم القيامة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أمَّتي يُدْعَون يوم القيامة غرًّا محجَّلين من آثار الوضوء))؛ [أخرجه الشَّيخان].
ولقد جعل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المحافظة على الوضوء دليلاً على الإيمان، وكفى بِهذه الرتبة فخرًا وشرفًا؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((استقيموا، ونِعِمَّا إنِ استقمتُم، وخيرُ أعمالكم الصلاة، ولن يُحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن)) [أخرجه الإمام أحمد، وصحَّحه الألباني].
أخي الحبيب : صفةُ الوضوء الوارِد عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يرْويها لنا أميرُ المؤمنين عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - حيث دعا بوضوءٍ فتوضَّأ، فغسل كفَّيه ثلاثَ مرَّات، ثمَّ مضمض واستنثر، ثم غسلَ وجهه ثلاث مرَّات، ثمَّ غسل يدَه اليمنى إلى المرْفق ثلاث مرَّات، ثمَّ غسل يدَه اليُسْرى مثل ذلك، ثمَّ مسح رأْسَه، ثمَّ غسَل رِجْلَه اليُمْنى إلى الكعبَين ثلاثَ مرَّات، ثمَّ غسل اليُسْرى مثل ذلك، ثمَّ قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثمَّ قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن توضَّأ نحوَ وضوئي هذا، ثمَّ قام إلى ركعتَين لا يُحدِّث فيهما نفسَه، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ [أخرجه الشيخان].
قال ابن شهاب الزُّهري - رحمه الله -: "وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضَّأ به أحدٌ للصلاة".
أخي : الوضوء للصلاة فرَضَه الله على هيْئة يسيرة يطهِّر به المرْء المسلم أربعةَ مواضع من أعضائِه فقط، وهي: الوجْه واليدان والرأس والرجلان، ففي الوجْه النَّظر والشَّمُّ والكلام، وفي الرَّأس السَّمع والفكْر، وفي اليديْن البطش، وفي الرِّجْلين الخُطا، ولمَّا كان عمَل المرْء في هذه الحياة لا يكاد يَخرج عن عضْوٍ منْ هذه الأعضاء ، والمرْء بطبعه خطَّاء ، شرَع الله للمسلِم الوضوء؛ ليعينَه على تطْهير أدْرانِه، وتكْفير ذنوبِه الَّتي اقترفها بتِلك الجوارح.
وإذا توضَّأ المؤمن، فقد أدَّى طهارة بدنه، فيقول كلِمة التوحيد؛ تأكيدًا على طهارة قلبِه من الشِّرك، ويسأل الله أن يديمَه على هذا التَّطهير؛ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ قال: أشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، اللَّهُمَّ اجعلْني من التَّوَّابين، واجْعلني من المتطهِّرين، فُتِحتْ له أبوابُ الجنَّة الثَّمانية يدخُل من أيِّها شاء))؛ [أخرجه الإمام مسلم دون زيادة ((اجعلني من التَّوابين))، فهي عند الترمذي].
عباد الله، ها هنا بعْض المسائل المتعلِّقة بالوضوء أورِدُها على سبيل الإجْمال، تيسيراً ووصولاً للمقصد ومنها:
  • من نسِيَ التَّسمِية، فوضوءُه صحيح، فإن ذكرَها في أثناء الوضوء سمَّى، وليْس عليْه أن يُعيد الوضوء.
  • ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه توضَّأ مرَّةً مرَّة، ومرَّتين مرَّتين، وثلاثًا ثلاثًا، وثبت عنه أيضًا أنَّه خالف بين أعضائه في عدد الغسلات، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديْه مرَّتين، ورجليْه مرَّة، وكلُّ هذا ثابتٌ في سنَّته - صلى الله عليه وسلم - والأفضل أن يأتي العبد بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة؛ حتَّى يدرك سنَّته كلَّها.
  • من عليْه أسنانٌ صناعيَّة أو مركَّبة، لا يَجب عليه أن يُزيلَها عند الوضوء؛ لأنَّها مثل الخاتم لا يجب نزعه، والأفضل أن يحرِّكه؛ ليصل الماء إلى ما تحته.
  • الأفضل في الأذُنَين أن تُمْسَحا ببقيَّة البَلَل الَّذي بقِي بعد مسْح الرَّأْس، فلا يلزم أخْذُ ماءٍ جديد لهما.
  • يجب على المرأة أن تزيل طلاء الأظْفار - المناكير - قبل الوضوء؛ لأنَّ لها جرمًا يَمنع وصولَ الماء، أمَّا الحنَّاء فلا يؤثِّر على الغسْل ولا على الوضوء؛ لأنَّه لا يَمنع من وصول الماء إلى البشرة.
  • مسح الرَّقبة في الوضوء غيرُ مشروع؛ لأنَّه لم يثبُت في كتاب الله - تعالى - ولا في سنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مسح الرَّقبة من سُنَن الوضوء.
  • لا بأْس بتنْشيف الأعْضاء بعد الوضوء؛ لأنَّ الأصل عدم المنْع.
  • إذا صلَّى العبد بوضوئه استحبَّ له أن يُجدِّد وضوءه للصَّلاة الأخرى، أمَّا إذا لم يصلِّ بوضوئه فلا يجدد؛ قال تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله -: "وإنَّما تكلَّم الفقهاء فيمن صلَّى بالوضوء الأوَّل هل يستحب له التَّجديد؟ أمَّا مَن لم يصلِّ، فلا يستحبُّ له إعادة الوضوء، بل تَجْديد الوضوء في مثل هذا بدعة مخالفة لسنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -". ا. هـ.
  • اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينفعُنا، وانفعْنا بما علَّمتَنا، وزِدْنا علمًا وعملاً يا حيُّ يا قيُّوم.
أيها الأخ الفاضل: مع شرف الوضوء في الإسلام ومكانته ومع يُسْرِه وسهولته، فإنَّ الناسَ فيه طرفان ووسط، طرف فرَّطوا في الوضوء، لا يُقيمون له وزنًا، ولا لأحكامه قدرًا، إمَّا تهاونًا بشأنه، وإمَّا جهلاً بصفَتِه الشَّرعيَّة، ونسي أولئِك أنَّ الأجر العظيم في الوضوء إنَّما رتب على إسباغه وتمامه وإحسانه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما من مسلمٍ يتوضَّأ فيُحسِن وضوءَه ثمَّ يقومُ يصلِّي ركعَتَين يُقْبل عليْهِما بقلْبِه ووجْهِه، إلاَّ وجبتْ له الجنَّة))؛ [أخرجه مسلم]، وفي حديث آخَر قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أتمَّ الوضوء كما أمره الله، فالصَّلوات المكتوبات كفَّارات لما بينهنَّ))؛ [أخرجه الإمام مسلم].
أمَّا الطَّرف الثَّاني من النَّاس، فقد أفرطوا في الوضوء، يتوضَّأ أحدُهم للصلاة الواحدة عشرات المرَّات، ويَمكث في دورات المياه لإتمام وضوئِه الساعات، تفوتهُ الجمعُ والجماعات وهو معذَّب باستعمال الماء، ووسوسة الشَّيطان، ولمثل هؤلاء يقال: دلَّت السُّنن الصَّحيحة على أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه لم يكونوا يُكْثِرون صبَّ الماء في الوضوء، ومضى على هذا التَّابعون لهم بإحسان؛ جاء في الحديث أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضَّأ ثلاثًا ثمَّ قال: ((هذا الوضوء، فمَن زاد على هذا، فقد أساء وظلَم))، وقال الإمام ابنُ المبارك - رحمه الله -: "لا آمَنُ على مَن زاد على الثَّلاث أن يأثم"، ويقول الحسن البصري - رحمه الله -: "إنَّ شيطانًا يضحك بالنَّاس في الوضوء يقال له: الولهان".
اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من همزات الشَّياطين، ونعوذ بك ربَّنا أن يَحضُرون.
اللَّهُمَّ أعنَّا على ذِكْرك وشكرك وحسن عبادتك.
وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه  والتابعين.
وكتبه :-
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
باحث شرعي في علوم الحديث  
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الأربعاء، 11 أبريل 2012

لمـاذا نشــعر بالإطالــة في الصــلاة؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين ..... وبعد .....
فالصلاة تهدأ بها النفس، ويطمئن بها القلب، وتسمو بها الروح، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُذهب عناءَ نفسه وهمَّها وتعبها ونصبها بالصلاة فعن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجلٌ قال مسعر "أراه من خزاعة": ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك! فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا بلال أقم الصلاة؛ أرحنا بها)) [أبو داود (4333)، وقال الألباني في مشكاة المصابيح: صحيح (1253)].
(فاسترحت) أي بالاشتغال بالصلاة؛ لكونه مناجاة مع الرب تعالى ، أو بالفراغ لاشتغال الذمة بها قبل الفراغ عنها، ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها))، قال في النهاية: أي نستريح بأدائها من شغل القلب بها، وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحة له؛ فإنه كان يعدُّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى ، ولهذا قال: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة))، وما أقرب الراحة من قرة العين .[ ينظر عون المعبود (13/225)].
فلماذا لا تحصل الراحة لكثير من الناس الآن بالصلاة رغم أنها قد جُعِلَت قرة عين له؟
ألم يسمعوا إلى حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّبَ إلي النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)) [أخرجه الإمام أحمد (3/128 ، رقم 12315) ، والنسائي (7/61 ، رقم 3939) ، وابن سعد (1/398) ، وأبو يعلى (6/237 ، رقم 3530) ، والحاكم (2/174 ، رقم 2676) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقى (7/78 ، رقم 13232) وأخرجه أيضًا : محمد بن نصر فى تعظيم قدر الصلاة (1/331 ، رقم 322) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3124)].
وهل يحب المحبوب أن يفارق حبيبه، ومن كانت الصلاة عنده هكذا فإنه لا يحب أن يفارقها، فضلاً على أنه يشعر بالإطالة قال ابن حجر - رحمه الله -: "ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن لا يفارقه، ولا يخرج منه؛ لأن فيه نعيمه، وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصب فإن السالك غرض الآفات والفتور" [ينظر فتح الباري (11/345)].
وهذه الحال تحصل لمن كان عارفاً بالله - عز وجل -، عالماً به، فلا يستوي من يعلم ومن لا يعلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر : 9] ، وليس ذلك من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم - بل قد يدخل في ذلك كل من جاهد نفسه، وآتاه الله - تعالى - من فضله، قال صاحب فيض القدير: " (جُعِلَت قرة عيني في الصلاة)؛ لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهمِّ على مطالعة جلال الله وصفاته، فيحصل له من آثار ذلك ما تَقرُّ به عينه.
(تنبيه) سُئِلَ ابن عطاء الله: هل هذا خاص بنبينا - صلى الله عليه وسلم - أم لغيره منه شرب؟ فقال: قرة العين بالشهود على قدر المعرفة بالمشهود، وليس معرفة كمعرفته، فلا قرة عين كقرته. انتهى، ومحصوله أنه ليس من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - لكنه أُعطي في هذا المقام أعلاه، وبذلك صرح الحكيم الترمذي فقال: إن الصلاة إلى الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كلهم فلمحمد - صلى الله عليه وسلم - من ربه - تعالى - بحر؛ ولما سواه أنهار وأودية، فكلٌ إنما ينال من الصلاة من مقامه، فالأنبياء ثم خلفاؤهم الأولياء ينالون من الصلاة مقاماً عالياً، وليس للعباد والزهاد والمتقين فيه إلا مقام الصدق، ومجاهدة الوسوسة، ومن بعدهم من عامة المسلمين لهم مقام التوحيد في الصلاة، والوساوس معهم بلا مجاهدة، والأنبياء وأعاظم الأولياء في مفاوز الملكوت، وليس للشيطان أن يدخل تلك المفاوز، وما وراء المفاوز حجب وبساتين شغلت القلوب بما فيها عن أن يخطر ببالهم ما وراءها. انتهى" [ينظر فيض القدير (3/348)].
ألا فلنراجع أنفسنا، ولننظر في قلوبنا؛ أين نحن من صفات أهل الإيمان الذين ذكرهم الله - عز وجل - في كتابه الكريم؟ يقول - تعالى -: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون : 1 ، 2]. ، فتجدهم في صلاتهم قد حلقوا بأرواحهم في سماء الخشوع، وسمت قلوبهم في فضاء الخضوع، فترنموا بما يتلى من آيات، وتلذذوا بما سمعوا من كلمات، فلانت قلوبهم، واقشعرت جلودهم عندما سمعوا كلام مليكهم {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر : 23] ، وذلك وصف خاص بأهل الإيمان لا يتعدى إلى غيرهم قال الله - تعالى -: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[الأنفال : 2] ، فلنستشعر وقوفنا بين يدي ملك الملوك، ولنتدبر ما نسمع من الآيات التي لو تليت على جبل لرأيناه خاشعاً متصدعاً من خشية الله، ولنعش تلك اللحظات الغالية عندما ننطرح بين يدي الرب بكل ذل وانكسار، ركوع وسجود، دعاء ورجاء، خشوع وخضوع، أبعد كل هذا نشعر بطول الصلاة؟
فاللهم أصلح فساد قلوبنا، وارزقنا الخشوع في صلاتنا، واجعلنا من عبادك الصالحين ..آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
 
بقلم : عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو رابطة علماء أهل السنة
باحث شرعي في علوم الحديث
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ارجع فصل فإنك لم تصل

حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا حجاج بن منهال ، قال : ثنا همام ، قال : ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، قال : ثني علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه ، عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه أنه كان جالسا عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله وعلى القوم فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: «وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل» ، قال فرجع فصلى قال فجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله وعلى القوم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم »وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل» ، وذكر ذلك إما مرتين وإما ثلاثا فقال الرجل : ما أدري ما عبت علي من صلاتي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم «إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يقول : سمع الله لمن حمده يستوي قائما حتى يأخذ كل عظم مأخذه ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته» قال همام : وربما قال : فيمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال :«لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك».
الحديث : إسناده صحيح أخرجه أبو داود (859) ، والنسائي (2/ 20 ، 193) ، والترمذي (32) ، وابن ماجة (460) ، والدارمي (1/ 305 - 306) ، والبخاري في « جزء القراءة » (ص 11 - 12) ، وأحمد (4/ 340) ، والطيالسي (1372) ، والشافعي في « الأم » (1/ 88) ، وابن خزيمة (1/ 274) ، وابن حبان (484) ، وعبد الرزاق (3739) ، والطحاوي في « شرح المعاني » (1/ 137 ، 232) ، والحاكم (1/ 241 - 242) والبيهقي (2/ 102 ، 133 134 ، 345 ، 372 - 373 ، 380) ، وكذا في «القراءة خلف الإمام» (183) ، وابن حزم في «المحلى» (3/ 256 - 257) ، والبغوي في « شرح السنة » (3/ 6 - 8) من طرق عن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه ، عن جده رفاعة . .الحديث . ورواه بعضهم مطولا ، وبعضهم مختصرا. 
قال الترمذي : « حديث حسن . . » . 
وقال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ؛ بعد أن أقام همام بن يحيى إسناده ؛ فإنه حافظ ثقة ، وكل من أفسد قوله !! فالقول قول همام ، ولم يخرجاه بهذه السياقة » ووافقه الذهبي (!) وقد وهما في ذلك ، فإن علي بن يحيى بن خلاد ، وأباه لم يخرج لهما مسلم شيئا كما ذكر الشيخ أبو إسحاق الحويني بشيء من التفصيل في « إتحاف الناقم ، بوهم الذهبي مع الحاكم » (640) .
خرَّج الحديث :  
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عامله الله بستره الجميل هو ووالديه والمسلمين