الدولة الإسلامية تختلف في الهدف، والوظيفة،
ومصدرية التشريع، والشمولية، عن غيرها مِن النماذج البشرية الوضعية التي شهدها
التاريخ الإنساني.
وظيفة الدولة الإسلامية
الوظيفة الرئيسية للدولة الإسلامية هي إقامة
الدين وسياسة الدنيا بالدين، ففي الإسلام )) وظيفة
الدولة القيام على الدعوة الإسلامية، وإقامة الشريعة الإسلامية، وقيادة الأُمَّة
وفق هذه الشريعة)).
مصدرية التشريع في الدولة الإسلامية
تقوم الدولة في الإسلام على تشريع رباني المصدر،
وبالتالي فهو تشريع معصوم لأنه مِن لدن العليم الخبير. فـإنَّ الدَّوْلة الإسلامية
تجعل دستورها مُسْتَمَدَّاً مِن كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم،
وتستمِد منهما أُمهات الأخلاق وأساسيات العقائد، فهو قانونهم الأكبر الذي ترجع
إليه كل القوانين الفرعية. إنَّ مِن أهداف مرحلة التمكين وضع نظام نابع مِن
الإسلام ومصادر الشريعة، يتناول كل مناشط حياة الناس الفردية والعامة .
والحُكم في الدولة الإسلامية نابع مِن شرع الله،
فـإنَّ المُسْتَنَد القانوني للحُكم في الدولة الإسلامية هو الإسلام، فالقوانين
التي تحكُم في الدولة الإسلامية هي مِن عند الله، وإطاعتها على ذلك واجبٌ لا بُدَّ
منه، والإنسان تطمئن نفسه إلى طاعة ربه وخالقه، بقدر ما تنفر مِن طاعة قوانين بشر
مثله.
الدولة الإسلامية لا تفصل بين الدين والسياسة
وهذا يختلف عما يدعو إليه العَلمانيون مِن الفصل
بين الدين والدولة، وبخلاف الدولة المدنية التي لا دخل لحُكم الدين في شؤونها،
فالله شَرع الأحكام التي تُنظم المجتمع الإسلامي، وطالَب المسلمين بتنفيذ هذه
الأحكام، ومعاقبة المتمردين على تلك الأحكام، بإقامة الحُدود والقَصاص مِن
المعتدين، وكل ذلك يحتاج إلى سلطة سياسية. وتلك السلطة السياسية هي الدولة
الإسلامية.
والشريعة الإسلامية حددت ملامح الحُكم في
الدولة، فـإنَّ الدستور الإسلامي للدولة الصالحة يشتمل على قواعد ونُظُم تقوم
بتوضيح نظام الحُكم، وتنظيم السلطات العامة وارتباط بعضها ببعض، وتحديد كل سُلطة
مِن السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، بكل دقة ووضوح، وتوضيح حقوق
الأفراد على الدولة وواجباتهم نحوها، والحقوق بكل تفصيلاتها معنوية ومادية، وكذلك
الواجبات والالتزامات، ووضع القوانين المفَصِّلة للدستور.
والدولة في الإسلام مرتبطة ارتباطاً وثيقاً
بالعقيدة، فـإنَّ أجيال المسلمين في الماضي البعيد والحاضر القريب، توقِن إيقاناً
راسخاً بأنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين دولة الإسلام وعقيدة الإسلام، فقُوَّة
الدولة رفعة للعقيدة وحماية للعقيدة. ومما يدُل على عُمق الشعور بالارتباط بين
الدولة والعقيدة لدى جماهير المسلمين خلال التاريخ الإسلامي أنه – وكما هو موجود
بكثرة في كُتُب الحديث والسِيَر والتاريخ – كان علماء المسلمين وقُوَّاد جيوشهم
وأفاضل كل عصر، إذا بايعوا الخليفة (منذ عهد أبي بكر فمَن بعده) يبايعونه على كتاب
الله وسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فربطوا البيعة بالكتاب والسنة لتظل
الدولة قائمةٌ عليهما، ولتستمد بقاءها ومبرر وجودها مِن الحفاظ عليهما.
هل هناك فَرْق بين الدولة الإسلامية والدولة
الدينية (الثيوقراطية) ؟
يختلف مفهوم الدولة في الإسلام عن مفهوم الدولة
الدينية الثيوقراطية التي عرفها الغرب في عصور الظلام. وأوجه الخلاف نذكر منها :-
نظام الحُكم
في الدولة الدينية الثيوقراطية، نظام الحُكم
ديكتاتوري، والحُكم الإسلامي بريء مِن الديكتاتورية التي تجعل الحاكِم إلهاً لا
يُسأَل عما يفعل وتجعل قولَه القَوْل وحُكمَه الحُكم، الحاكم في الإسلام مُقَيَّد
بالشرع محاسَب على أفعاله عند المسلمين.
الحاكِم
الحاكم في الدولة الإسلامية مثله مثل المحكومين
في الخضوع لحُكم الشرع، والمحكومون لهم الحق في محاسبة الحاكم إنْ خالف الشرع أو
إنْ قَصَّر في أداء الدَّوْر المنوط به. أما في الغرب، كان الملوك يستعبدون الناس
لأنفسهم زاعمين أنَّ لهم سلالة عرقية خاصة أسمى مِن العنصر البشري المشترك، وغلا
بعض الطواغيت وادعى أنه إله أو مِن نسل الآلهة كما فعل أباطرة الروم، ولم يكن
ليدور في خلد أي منهم أنَّ للأُمَّة عليه واجبات وحقوقاً، وأنَّ الكرسي والمنصب
تكليف لا تشريف، بل كانوا يرَوْن أنَّ ما تقدمه لهم الأُمَّم مِن مراسم الخدمة والولاء
والخضوع المذِل والتضحية بالنفس والنفيس لأجلهم ليس إلا واجباً مقدساً يقومون به
تجاه العرش المحروس. جاء الإسلام فنسف هذه الفكرة مِن أساسها ورَدَّ العبودية كلها
لله وحده، وفرض على الحُكَّام تبعات ومسؤوليات تُناسِب مركزهم في الأُمَّة، فرأى
الناس في معظم أنحاء المعمورة الولاة المسلمين يرعون مصالحهم وينهضون بأعباء
المسؤولية كاملةً في الوقت الذي لا يتميزون فيه عن الأُمَّة بفارق كبير.
مصدرية التشريع
سبق أنْ بينَّا أنَّ مصدرية التشريع في الدولة
الإسلامية هي شرع الله. أما الدول
الأخرى في القديم والحديث تقوم على تأليه غير الله، أو على الكفر بالله، والذين
يحكمون في هذه الدول على اختلاف نزعاتهم ومشاربهم هم الذين يضعون القوانين التي
تحكم البشر، لا فرق في ذلك بين الدِّوَل الديمقراطية أو الشيوعية أو الديكتاتورية،
وهذا في اصطلاح القرآن شِرك، لأنَّ الله وحده هو الذي مِن حقه أنْ يُشَرِّع
لعباده، وقد ذمَّ اللهُ اليهودَ والنصارى باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً مِن
دون الله، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [سورة
التَّوْبة 31]، واتخاذهم إياهم كذلك سببه متابعتهم في التشريع المخالف لشرع الله.
الحكام في الدولة الإسلامية كالأفراد، كلهم يطيعون أمر الله ويُنَفِّذون حُكمه،
ولا يجوز لهم الخروج عن شرع الله.
وختاماً نقول أنَّ في الدولة الإسلامية كل ما
تصبو إليه وتبحث عنه البشرية التائهة.
نسأل الله تعالى أنْ ترجع أُمَّة الإسلام إلى
دينها، وكتاب ربها وسُنَّة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهذا هو السبيل الوحيد
لاستعادة عزتها ومكانتها بين الأمم.
-------------------
المصادر والمراجع:-
-
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية – شيخ
الإسلام ابن تيميه
-
من فقه الدولة في الإسلام – سماحة العلامة
أ.د.يوسف القرضاوي
-
النظرية العامة لنظام الحكم في الإسلام – د.عطية
عدلان
-
نحو ثقافة إسلامية أصيلة – أ.د. عمر سليمان
الأشقر.
-
فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم – د. علي
الصلابي.
-
العلمانية: نشأتها وتطورها وأثرها في الحياة
الإسلامية المعاصِرة – د. سفر الحوالي.
-
كتاب الإسلام
والسياسة : أ.حسين فوزى.
بقلم :
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين