هو الإمام الحافظ العلم أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسي القُرَشيُّ الحميدي المكي.
قد
روي عنه جمع هائل من أئمة الإسلام وكان علي رأسهم الإمام أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل البخاري - صاحب الصحيح - وروي عنه الإمام مسلم في مقدمة
الصحيح (1) وكذا روي عنه الإمام أبو داود، والإمامان الرازيان أبو حاتم
وأبو زُرعة، وغيرهم من سادات أهل العلم وأئمة أهل السنة، وحديثه مدوّن في
دواوين الإسلام وكتب السنة الشهيرة.
وقد
أخذ العلم عن جمع من أئمة العلم في زمانه كالإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي،
والإمام قُتيبة بن سعيد البغلاني، يعلي بن عُبيد الطنافسي، وغيرهم من أهل
وحفاظ الحديث.
وقد أثني عليه غيرُ واحدٍ من سادات العلم وأئمة أهل السنة منهم:
- إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله قال: (الحميدي عندنا إمام) (2).
- الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله قال: (الأئمة في زماننا: الشافعيّ، والحميدي، وأبو عُبيد) (3).
- الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله قال: (الحميدي إمام في الحديث) (4).
-
الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم رحمه الله قال: ( الحميدي مفتي أهل مكة
ومحدثهم وهو لأهل الحجاز في السنة كأحمد بن حنبل لأهل العرق ) (5).
فهذه
شهادات من أئمة وأعلام له بالفضل والعلم والسنة والاستقامة وكفى بها فخراً
وبياناً لمنزلته العالية بين العلماء في العلم والسنة.
وللإمام
الحميدي مؤلفات عديدة ولكن لم يُطبع منها إلا (المسند) وقد أرفق بآخره
رسالة (أصول السنة) وهي منفصلة عن المسند وهي التي نحن بصددها.
وقد
ذكر الإمام البخاري: أن وفاة الإمام الحميدي - وهو شيخ للإمام البخاري -
كانت في التاسع عشر بعد المئتين من هجرة الرسول الكريم - صلى الله عليه
وسلم-.
بين يدي الرسالة ( أصول السنة )
هذه الرسالة الماتعة المسماه بأصول السنة طُبعت بآخر مسند الإمام الحميدي ولكنها رسالة منفصلة (مستقلة) عنه.
ولا
شك عند العلماء الثقات في صحة نسبة هذه الرسالة إلى الإمام الحميدي -رحمه
الله- وهذا أمر مهمٌ جداً في دراسة العلم ومؤلفات العلماء إذ أنه من بركة
العلم نسبته لأهله.
ومما
يدل على صحة نسبة هذه الرسالة للإمام الحميدي أن هذه الرسالة أسندها إليه
الحافظ ابن قدامة المقدسيّ - رحمه الله - في كتابه (ذم التأويل)، وكذا
أسندها إليه الإمام الحافظ الذهبي -رحمه الله - في كتابه (تذكرة الحُفاظ)،
وأسندها إليه أيضاً الإمام شيخ الإسلام ابن تيميه الحراني - رحمه الله - في
مواطن عديده من كتبه منها (مجموع الفتاوى 4/6) ، وقد أسندها إليه أيضاً
الإمام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الماتع (اجتماع الجيوش الإسلامية ص
167).
وكل هذه الأمور تكفي في إثبات صحة نسبة هذه الرسالة إلى الإمام الحميدي.
نص الرسالة
حَدَّثَنَا بِشرُ بنُ مُوسَي، حَدَّثَنَا الحُمَيدِيُّ قال:-
السُّنَّةُ
عِندَنَا أَن يُؤمِنَ الرَّجُلُ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِهِ حُلوِهِ
وَمُرِهِ، وَأَن يَعْلَمَ أَن مَا أصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ،
وَأَنَ مَا أَخْطَأهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَأَنَ ذَلِكَ قَضَاءٌ مِنَ
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَأَنَ
الإِيمَانَ قَولٌ وَعَملٌ، وَيَزِيدُ وَيَنقٌصْ، وَلَا يَنْفَعُ قَولٌ
إِلَّا بِعَملٍ، وَلَا عَملٌ وَقَولٌ إِلَّا بِنِيِّةٍ، وَلَا قَولٌ
وَعَملٌ وَنِيَّةٌ إِلَّا بِسُنَّةٍ.
وَالتَّرَحُّمُ عَلَي أَصحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلّي اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ - كُلِّهِم فَإِنَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قال "وَالَّذِينَ جَآءُواْ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَان"الحشر:10.
فَلَم
نُؤمَر إِلا بالاستغفار لَهُم، فَمَن سَبَّهُم أَو تَنَقَّصَهُم أَو
أَحَداً مِنهُم فَلَيسَ عَلَى السُّنَّةِ وَلَيسَ لَهُ فِي الفَيءِ حَقٌ.
أَخبَرنَا بِذَلِكَ غَيرُ وَاحِدٍ عَنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَسَّمَ اللهُ تَعالَى الفَيءَ فقال "لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِنْ دِيَارِهِمْ" الحشر:8 ثُمَّ قَالَ "وَالَّذِينَ جاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَان" الآية. فَمَن لَمْ يَقُلْ هَذَا فَلَيسَ مِمَّن جُعِلَ لَهُ الفَيءُ.
وَالقُرْآن
كَلَامُ الله، سَمِعتُ سُفيَانَ يَقُولُ: القُرْآنُ كَلَامُ الله وَمَنْ
قَالَ: مَخلُوقٌ فَهُوَ مُبتَدِعٌ لَمْ نَسمَع أَحَداً يَقُولُ هَذَا.
وَسَمِعتُ
سُفيَانَ يَقُولُ: الإِيمَانُ قَولٌ وَعَملٌ، وَيَزِيدُ وَيَنقٌصْ،
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ إِبرَاهِيمُ بنُ عُيَيْنةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَا
تَقُلْ يَنقُصْ، فَغَضِبَ وَقَالَ: اسكُت يَا صَبيُّ بَلْ حَتَّى لَا
يَبِقَي مِنهُ شَيءٌ.
وَالإِقرَارُ بِالرُّؤيَةِ بَعدَ المَوتِ.
وَمَا نَطَقَ بِهِ القُرآنُ وَالحَدِيثُ مِثلُ "وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ" المائدة:64 ،وَمِثلُ "وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويِاتٌ بِيَمِينهِ" الزمر:67.
وَمَا
أَشبَهَ هَذَا فِي القُرآنِ وَالحَديثِ لَا نَزِيدُ فِيهِ وَلَا
نُفَسِّرُهُ، نَقِفُ عَلَي مَا وَقَفَ عَليهِ القُرآنُ وَالسُّنَّةُ،
وَنَقُولُ: الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَي.
وَمَنْ زَعمَ غَيرَ هَذَا فَهُوَ مُعَطِّلٌ جَهميٌّ.
وَأَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الخَوَارِجُ: مَنْ أَصَابَ كَبِيرَةً فَقَدْ كَفَرَ.
وَلَا
تَكْفِيرَ بِشيءٍ مِنَ الذُنُوبِ إِنَّمَا الكُفُرُ فِي تَركِ الخَمسِ
الَّتِي قَالَ عَنهَا رَسُول اللهِ - صَلّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ - ( بُنِيَ
الإِسلاَمُ عَلَي خَمسٍ: شَهَادةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَ اللهُ وَأَنْ
مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ،
وَصَومِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيتِ ).
فَأَمَا
ثَلاَثٌ مِنهَا فَلاَ تُنَاظرِ تَارِكَهُا: مَنْ لَمْ يَتَشَهَّد وَلَمْ
يُصَلِّ وَلَمْ يَصُم، لأَنَهُ لاَ يُؤَخَّرُ شَيءٌ مِنْ هَذَا عَنْ
وَقتِهِ وَلاَ يُجزِئُ مَنْ قَضَاهُ بَعدَ تَفرِيطِهِ فِيهِ عَامِداً عَنْ
وَقتِهِ فَأمَّا الزَّكَاةُ فَمَتَى مَا أَدَّاهَا أَجزَأت عَنهُ وَكَانَ
آثِماً فِي الحَبسِ.
وَأَمَّا
الحَجُّ فَمَن وَجَبَ عَلَيهِ وَوَجَدَ السَّبِيلَ إِلَيهِ وَجَبَ
عَلَيهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيهِ فِي عَامِةِ ذَلِكَ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ
مِنهُ بُدٌّ مَتَّى أَدَّاهُ كَانَ مُؤَدِّياً، وَلَم يَكُن آثِماً فِي
تَأخِيرِهِ إِذَا أَدَّاهُ كَمَا كَانَ آثِماً فِي الزَّكَاةِ لأَنَّ
الزَّكَاةَ حَقٌّ لِمُسلِمينَ مَساكِينَ حَبَسَهُ عَلَيهِم فَكَانَ آثِماً
حَتَّى وَصَلَ إِلَيهِم.
وَأَمَّا الحَجُّ فَكَانَ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ ربِّهِ إِذَا أَدَّاهُ فَقَد أَدَّي، وَإِن هُوَ مَاتَ وَهُوَ وَاجِدٌ مُستَطِيعٌ وَلَم يَحُجَّ سَأَلَ الرَّجعَةَ إِلَي الدُّنيَا أَن يَحُجَّ وَيَجِبُ لأَهلِهِ أَن يَحُجُّواْ عَنهُ وَنَرجواْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُؤَدِّياً عَنهُ كَمَا لَو كَانَ عَلَيهِ دَينٌ فَقُضِي عَنهُ بَعدَ مَوتِه.
تَمَّ الكِتَابُ وَالحَمدُ لله وَحدَهُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَأَزوَاجِهِ وَذُرِّيَّتَهُ أّجمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
(1) مقدمة الصحيح (1/15) (61) باب الكشف عن معايب رواه الحديث ونقله الأخبار وقول الأئمة في ذلك وانظر أيضاً تهذيب الكمال (14/515).
(2) طبقات الحُفاظ (1/181)، سير أعلام النبلاء (10/617).
(3) تاريخ الإسلام للذهبي (15/213).
(4) انظر المصدر السابق.
(5) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (2/141).
وَأَمَّا الحَجُّ فَكَانَ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ ربِّهِ إِذَا أَدَّاهُ فَقَد أَدَّي، وَإِن هُوَ مَاتَ وَهُوَ وَاجِدٌ مُستَطِيعٌ وَلَم يَحُجَّ سَأَلَ الرَّجعَةَ إِلَي الدُّنيَا أَن يَحُجَّ وَيَجِبُ لأَهلِهِ أَن يَحُجُّواْ عَنهُ وَنَرجواْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُؤَدِّياً عَنهُ كَمَا لَو كَانَ عَلَيهِ دَينٌ فَقُضِي عَنهُ بَعدَ مَوتِه.
تَمَّ الكِتَابُ وَالحَمدُ لله وَحدَهُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَأَزوَاجِهِ وَذُرِّيَّتَهُ أّجمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً.
وكتبه : عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
---------------------------------- (1) مقدمة الصحيح (1/15) (61) باب الكشف عن معايب رواه الحديث ونقله الأخبار وقول الأئمة في ذلك وانظر أيضاً تهذيب الكمال (14/515).
(2) طبقات الحُفاظ (1/181)، سير أعلام النبلاء (10/617).
(3) تاريخ الإسلام للذهبي (15/213).
(4) انظر المصدر السابق.
(5) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (2/141).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق