الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى
يوم الدين ..... وبعد .....
فالصلاة تهدأ بها النفس، ويطمئن بها القلب، وتسمو بها الروح، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُذهب عناءَ نفسه وهمَّها وتعبها ونصبها بالصلاة فعن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجلٌ قال مسعر "أراه من خزاعة": ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك! فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا بلال أقم الصلاة؛ أرحنا بها)) [أبو داود (4333)، وقال الألباني في مشكاة المصابيح: صحيح (1253)].
فالصلاة تهدأ بها النفس، ويطمئن بها القلب، وتسمو بها الروح، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُذهب عناءَ نفسه وهمَّها وتعبها ونصبها بالصلاة فعن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجلٌ قال مسعر "أراه من خزاعة": ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك! فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يا بلال أقم الصلاة؛ أرحنا بها)) [أبو داود (4333)، وقال الألباني في مشكاة المصابيح: صحيح (1253)].
(فاسترحت) أي بالاشتغال
بالصلاة؛ لكونه مناجاة مع الرب تعالى ، أو بالفراغ لاشتغال الذمة بها قبل الفراغ
عنها، ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها))، قال في النهاية: أي نستريح بأدائها من
شغل القلب بها، وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحة له؛ فإنه كان يعدُّ غيرها من
الأعمال الدنيوية تعباً، فكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى ،
ولهذا قال: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة))، وما أقرب الراحة من قرة العين .[ ينظر عون
المعبود (13/225)].
فلماذا لا تحصل الراحة لكثير
من الناس الآن بالصلاة رغم أنها قد جُعِلَت قرة عين له؟
ألم يسمعوا إلى حديث أنس -
رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّبَ إلي النساء
والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)) [أخرجه
الإمام أحمد (3/128 ، رقم 12315) ، والنسائي (7/61 ، رقم 3939) ، وابن سعد
(1/398) ، وأبو يعلى (6/237 ، رقم 3530) ، والحاكم (2/174 ، رقم 2676)
وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقى (7/78 ، رقم 13232) وأخرجه أيضًا :
محمد بن نصر فى تعظيم قدر الصلاة (1/331 ، رقم 322) ، وصححه الألباني في
صحيح الجامع (3124)].
وهل يحب المحبوب أن يفارق
حبيبه، ومن كانت الصلاة عنده هكذا فإنه لا يحب أن يفارقها، فضلاً على أنه يشعر
بالإطالة قال ابن حجر - رحمه الله -: "ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أن
لا يفارقه، ولا يخرج منه؛ لأن فيه نعيمه، وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد
بالمصابرة على النصب فإن السالك غرض الآفات والفتور" [ينظر فتح الباري
(11/345)].
وهذه الحال تحصل لمن كان
عارفاً بالله - عز وجل -، عالماً به، فلا يستوي من يعلم ومن لا يعلم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر : 9] ،
وليس ذلك من خصوصيات النبي - صلى الله عليه وسلم - بل قد يدخل في ذلك كل من جاهد
نفسه، وآتاه الله - تعالى - من فضله، قال صاحب فيض القدير: " (جُعِلَت قرة
عيني في الصلاة)؛ لأنه كان حالة كونه فيها مجموع الهمِّ على مطالعة جلال الله
وصفاته، فيحصل له من آثار ذلك ما تَقرُّ به عينه.
(تنبيه) سُئِلَ ابن عطاء الله:
هل هذا خاص بنبينا - صلى الله عليه وسلم - أم لغيره منه شرب؟ فقال: قرة العين
بالشهود على قدر المعرفة بالمشهود، وليس معرفة كمعرفته، فلا قرة عين كقرته. انتهى،
ومحصوله أنه ليس من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - لكنه أُعطي في هذا المقام
أعلاه، وبذلك صرح الحكيم الترمذي فقال: إن الصلاة إلى الأنبياء - عليهم الصلاة
والسلام - كلهم فلمحمد - صلى الله عليه وسلم - من ربه - تعالى - بحر؛ ولما سواه
أنهار وأودية، فكلٌ إنما ينال من الصلاة من مقامه، فالأنبياء ثم خلفاؤهم الأولياء
ينالون من الصلاة مقاماً عالياً، وليس للعباد والزهاد والمتقين فيه إلا مقام
الصدق، ومجاهدة الوسوسة، ومن بعدهم من عامة المسلمين لهم مقام التوحيد في الصلاة،
والوساوس معهم بلا مجاهدة، والأنبياء وأعاظم الأولياء في مفاوز الملكوت، وليس
للشيطان أن يدخل تلك المفاوز، وما وراء المفاوز حجب وبساتين شغلت القلوب بما فيها
عن أن يخطر ببالهم ما وراءها. انتهى" [ينظر فيض القدير (3/348)].
ألا فلنراجع أنفسنا، ولننظر
في قلوبنا؛ أين نحن من صفات أهل الإيمان الذين ذكرهم الله - عز وجل - في كتابه
الكريم؟ يقول - تعالى -: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون : 1 ، 2]. ، فتجدهم
في صلاتهم قد حلقوا بأرواحهم في سماء الخشوع، وسمت قلوبهم في فضاء الخضوع، فترنموا
بما يتلى من آيات، وتلذذوا بما سمعوا من كلمات، فلانت قلوبهم، واقشعرت جلودهم
عندما سمعوا كلام مليكهم {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ
الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[الزمر : 23] ، وذلك وصف خاص بأهل الإيمان
لا يتعدى إلى غيرهم قال الله - تعالى -: {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال : 2] ، فلنستشعر وقوفنا بين يدي ملك الملوك،
ولنتدبر ما نسمع من الآيات التي لو تليت على جبل لرأيناه خاشعاً متصدعاً من خشية
الله، ولنعش تلك اللحظات الغالية عندما ننطرح بين يدي الرب بكل ذل وانكسار، ركوع
وسجود، دعاء ورجاء، خشوع وخضوع، أبعد كل هذا نشعر بطول الصلاة؟
فاللهم أصلح فساد قلوبنا،
وارزقنا الخشوع في صلاتنا، واجعلنا من عبادك الصالحين ..آمين، وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
بقلم : عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو رابطة علماء أهل السنة
باحث شرعي في علوم الحديث
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق