الثلاثاء، 10 أبريل 2012

عزيمة الإمام البخاري رحمه الله

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ، وبعد .... أيها القارئ الكريم :
كلمة "العزم" تعني : عقد القلب علي إمضاء الأمر ، والقصد علي إمضائه وتنفيذ الأمر الذي تم العزم عليه دون تراجع مع التوكل علي الله سبحانه وتعالي قال تعالي ((فإذا عزمت فتوكل علي الله)) [آل عمران:159].
فالعزيمة مع التوكل علي الله وحسن الظن بالله تضاعف قوة التحمل من تحقيق الأهداف إلي ما لا نهاية .
وقوة العزم في الخير من صفات الأنبياء والمرسلين والصالحين قال الله تعالي ((فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)) [الأحقاف:35].
والعزيمة الصادقة تصنع المستحيلات وتلين الصعوبات ، وهي خير معين علي تحقيق ما نرجو وما نريد.
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – [[فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات ، فمن لم يكن لديه عزيمة فهو ناقص ، ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص ، فإذا انضم الثبات إلي العزيمة أثمر كل مقامٍ شريفٍ ، وحال كامل ، ولهذا جاء في دعاء النبي صلي الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه : "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة علي الرشد" ، ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا علي ساق الصبر]].
وخير مثال حقيقي وواقعي علي ما ذكرنا هو العزيمة الكبيرة التي لا حدود لها عند أمير المؤمنين في الحديث الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري .
فلقد حدد الإمام البخاري رحمه الله رسالته في هذه الحياة بناءً علي ما وهبه الله من ذاكرة حديدية وظفها في عمل جليل وهو جمع الصحيح من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم في كتاب واحد وظل يعمل لتحقيق تلك الرسالة مدة ستة عشرة عاماً متواصلة يصل الليل بالنهار والنهار بالليل بجدٍ ودأبٍ وعملٍ متواصلٍ وعناية حتي تحقق له حلمه في جمع السنة وحمايتها وحفظها بتمام كتابه ((الجامع الصحيح)) وهو المعروف بـ ((صحيح البخاري)) ، والذي عدًّه العلماء بأصح الكتب بعد كتاب الله عز وجلَّ.
يقول الإمام البخاري :- كنت عند (إسحاق بن راهويه) فقال بعض أصحابنا : لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن رسول الله صلي الله عليه وسلم فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب – يعني الصحيح الجامع – .
وقع الأمر بداية في قلبه ، ثم أصبحت لع عزيمة قوية في نفسه وهمة عالية جعلته يسهر مدة ستة عشر عاماً وهو يتنقل بين البلدان لجمع صحيح الحديث ويتحري بكل دقة في جمع الصحيح فقط من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهو في كل ذلك يعمل بصبرٍ وجلدٍ حتى كان لا يدون الحديث إلا بعد أن يتوضأ ثم يُصلي ركعتين يستخير الله عز وجل فيهما أيدون هذا الحديث أم لا ؟؟؟!!!
وروي عن أحد تلاميذ البخاري أنه بات عنده ذات ليلة فأحصي عليه أنه يقوم بالليل ويوقد السراج يستذكر أشياء يعلق عليها في تدوين الأحاديث عدة مرات أو قال : بلغت ثمانية عشر مرة.
بل قال محمد بن أبي حاتم الوراق : كان أبو عبد الله  - يعني البخاري – إذا كنت معه في سفر يجمعنا في بيت واحد إلا في القيظ أحياناً فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلي عشرين مرة ، في كل ذلك يأخذ القداحة فبوري ناراً ويسرج ثم يخرِّج أحاديث فيعلق عليها.
وهكذا صاحب الرسالة يعيش بها ولها ، ويجافي النوم من أجلها ، حتي يتحقق حلمه في الدنيا ، وينال الأجر بمشيئة الله تعالي في الآخرة .
وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن والآه. 
وكتبه راجي عفو مولاه : 
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق