الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

ما صحة هذا الحديث المتداول بعنوان ( دروس في الحب ) ؟


د. سعد بن مطر العتيبي


السؤال :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
دروس في الحب:

" جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم وسألهم مبتدأ أبي بكر ماذا تحب من الدنيا ؟ فقال أبو بكر ( رضي الله عنه) أحب من الدنيا ثلاث : الجلوس بين يديك – والنظر إليك – وإنفاق مالي عليك. وأنت يا عمر ؟ قال أحب ثلاث : أمر بالمعروف ولو كان سرا – ونهي عن المنكر ولو كان جهرا – وقول الحق ولو كان مرا. وأنت يا عثمان ؟:قال: أحب ثلاث إطعام الطعام – وإفشاء السلام – والصلاة بالليل والناس نيام. وأنت يا علي ؟ قال أحب ثلاث: إكرام الضيف – الصوم بالصيف - وضرب العدو بالسيف. ثم سأل أبا ذر الغفاري: وأنت يا أبا ذر: ماذا تحب في الدنيا؟ قال أبو ذر :أحب في الدنيا ثلاث الجوع؛ المرض؛ والموت. فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم( : ولم؟ فقال أبو ذر: أحب الجوع ليرق قلبي؛ وأحب المرض ليخف ذنبي؛ وأحب الموت لألقى ربي. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) حبب إلى من دنياكم ثلاث الطيب؛ والنساء؛ وجعلت قرة عيني في الصلاة. وحينئذ تنزل جبريل عليه السلام وأقرأهم السلام وقال: وانأ أحب من دنياكم ثلاث تبليغ الرسالة؛ وأداء الأمانة؛ وحب المساكين؛ ثم صعد إلى السماء وتنزل مرة أخرى؛ وقال : الله عز وجل يقرؤكم السلام ويقول: انه يحب من دنياكم ثلاث : لساناً ذاكراً - و قلباً خاشعا-ً و جسداً على البلاءِ صابراً.
ما صحة هذا الحديث حيث انتشر في الرسائل البريدية؟


الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...
أولاً : جاء في المواهب اللدنية للقسطلاني رحمه الله : " روي أنّه صلى الله عليه وسلم لمّا قال : ( حبِّب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرّة عيني في الصلاة ) قال أبو بكر : وأنا يا رسول الله حبِّب إليّ من الدنيا : النظر إلى وجهك ، وجمع المال للإنفاق عليك ، والتوسل بقرابتك إليك . وقال عمر : وأنا يا رسول الله حبّب إليّ من الدنيا : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بأمر الله . وقال عثمان : وأنا يا رسول الله حبّب إليّ من الدنيا إشباع الجائع وإرواء الظمآن وكسوة العاري . وقال علي بن أبي طالب :
وأنا يا رسول الله حبّب إليّ من الدنيا : الصوم في الصيف ، وإقراء الضيف ، والضرب بين يديك بالسيف .
قال الطبري : خرّجه الجَنَدي . كذا قال والعهدة عليه . اهـ ( المواهب اللدنية: 2/ 478 )
هكذا أوردها القسطلاني وبيّن قول محبّ الدين الطبري في تخريجها .
وقال العلامة الزرقاني في شرحه للمواهب بعد أن ذكر أن هذا المروي مما لا يصح : " وزاد بعضهم فيه : فنزل جبريل ، فقال : وأنا حبّب إليّ من الدنيا ثلاث ، النزول على النبيّين ، وتبليغ الرسالة للمرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، أي الثناء على الله ، ثم عرج ثم رجع فقال : يقول الله : وهو حبِّب إليه من عباده ثلاث : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وجسم على بلائه صابر ، وفي لفظ : وإذا النداء من قبل الله : إنَّ الله يحب من دنياكم ثلاثا ، فذكرها " .
ومما حكي في هذه الرواية مما يجعلها أقرب إلى موضوعات القصاص ما حكي من أن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لما وقف كل منهم على ذلك ، قال : وأنا حبب إلي من دنياكم كذا وكذا إلخ...
وقد ساقها القسطلاني بصيغة التضعيف ، وجعل عهدتها على الجَنَدي ، كالمتبريء منها ، وقد نفى العلامة الزرقاني صحة هذه الرواية بصريح العبارة ، فقد قال : " روي مما لا يصح " .
ثانياً : أدرج في الرواية المذكورة حديث صحيح ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( حبِّب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرّة عيني في الصلاة ) ، لكن ليس في رواياته الثابتة كلمة ( ثلاث ) وإن تناقلها بعض الفقهاء وحاول آخرون تأويلها لتتوافق مع الحديث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر اثنتين من أمور الدنيا لا ثلاثا.

والخلاصة أن هذه الرواية المذكورة بالسياق المسؤول عنه ، ليست ثابتة عند أهل العلم ، مع ما في متنها من النكارة ، وما في سياقها من مشابهة لأحاديث القصاص الباطلة، والله تعالى أعلم.
ومن المؤسف أن كثيرا من الأحاديث الموضوعة تجد من يثيرها وينشرها ، وربما ختم رسالته بعبارة ( انشر تؤجر ) مع أن نشر ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مع نسبته إليه كذب عليه ، وقد جاء الوعيد لمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا بأن يتبوأ مقعده من النار ، والعياذ بالله ؛ فلنحذر هذه الشائعات التي يبثها بانتظام أحيانا بعض غلاة الصوفية ومن خُدع بهم ، وقد بيّنت شيئا من ذلك ضمن حوار عن الشائعات في جريدة الجزيرة قبل بضع سنوات ومثّلت لذلك ببعض الأمثلة.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينشر الحق وينفع الخلق ، وأن لا يجعلنا ممن يحمل أوزارا بنشر ما لا يرضيه ، والله المستعان .

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

زيارة القبور يوم العيد غير مشروعة

السؤال:
جرت العادة عندنا أن يذهب الناس يوم العيد بعد انتهاء صلاة العيد لزيارة القبور، ويقرؤون القرآن حول القبر، وتخرج النساء كذلك معهم، ويوزعون الحلوى والقهوة والشاي، ويضعون جريد النخل والزهور على القبور فما قولكم في ذلك؟

الإجابة:
إن زيارة القبور سنة مشروعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة" (رواه مسلم).

ولكن الشرع لم يحدد يوماً معيناً لزيارة القبور، لذلك فإن تخصيص يومي العيد بزيارة القبور بدعة مكروهة، وقد تكون حراماً إذا رافقتها الأمور المنكرة التي نشاهدها في أيامنا هذه يوم العيد من خروج النساء المتبرجات إلى القبور، واختلاطهن بالرجال، وكذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام، وغير ذلك من الأمور المخالفة لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

. وينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز تخصيص زمان أو مكان بشيء من العبادة إلا بدليل شرعي.

وتخصيص يوم العيد بزيارة القبور مما لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يكن من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم زيارة القبور يوم العيد، وإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الخير كل الخير بالاتباع، والشر كل الشر بالابتداع.

. وأما قراءة القرأن على القبور فأمر غير مشروع أيضاً، بل هو بدعة منكرة ما فعلها رسول صلى الله عليه وسلم ولا نقلت عن صحابته رضي الله عنهم، ولا يجوز فعل ذلك، وعلى المسلم أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار رضي الله عنهم.

والرسول صلى الله عليه وسلم علّم الصحابة ما يقولون عند زيارتهم للقبور، فقد ورد في الحديث عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية" (رواه مسلم).

فالمشروع في حق من يزور المقابر أن يسلم على الأموات بهذه الصيغة أو نحوها، وأن يدعو ويستغفر لهم، وأما قراءة الفاتحة كما يفعله أكثر الناس اليوم، وكذا قراءة غيرها من القرآن لا أصل له في الشرع، وإن توارثه الناس في بلادنا كابراً عن كابر فإن الحق في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يعتاده الناس.

قال الشيخ محمد رضا صاحب (تفسير المنار): "... فاعلم أن ما اشتهر وعم البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف، فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية، ولكنه صار بسكوت اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة" (8/268).

. ومما يدل على عدم مشروعية قراءة القرآن على القبور قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة} (رواه مسلم).
فهذا يدل على أن القبور ليست محلاً لقراءة القرآن شرعاً، فلذلك حضّ الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن في البيوت، ونهى عن جعل البيوت كالمقابر في عدم قراءة القرآن.

. وأما خروج النساء إلى زيارة القبور في أي يوم من أيام السنة فالأصل فيه الجواز، لدخول النساء في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: "كنت نهيتكم... ألا فزوروها"، ولأن العلة في زيارة القبور وهي التذكرة بالآخرة تشارك النساء فيها الرجال، ولثبوت ذلك بأحاديث منها حديث عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن ابن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: "نعم، ثم أمر بزيارتها" (رواه الحاكم والبيهقي، وإسناده صحيح قاله الألبـاني)، وفي رواية عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور" (رواه ابن ماجة).

وفي الباب أيضاً حديث عائشة عند مسلم، وهو حديث طويل لم أذكره لذلك.

وأما خروج النساء لزيارة القبور يوم العيد فحكمه كما قلت سابقاً لا يجوز، فهو بدعة مكروهة لأنه تخصيص لعبادة بزمان معين بدون دليل، وقد يصل إلى درجة التحريم إذا عرفنا حال كثير من النساء اللواتي يخرجن إلى المقابر من التبرج، وإبداء الزينة والاختلاط الفاحش بالرجال!! فأرى أنه يجب على أولياء أمورهن منعهن من الخروج إلى المقابر وهن على تلك الحال، وإن لم يفعلوا فهم آثمون والعياذ بالله.

.. وأما وضع جريد النخل وباقات الزهور أو أكاليل الزهور على القبور، فلا يجوز أيضاً لأنه أمر محدث، ولا يصح الاحتجاج بحديث ابن عباس وهو بما معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير"... ثم أخذ جريدة فشقها نصفيفن، فوضع كل نصف على قبر وقال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا".
فهذا الحديث صحيح ولا شك، ولكن لا دلالة فيه على أن وضع جريدة النخل وأكاليل الزهور على قبور الأموات عامة جائز لما يلي:

- أولاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمه الله أن الرجلين يعذبان ونحن لا نعرف هل أصحاب القبور يعذبون أم لا؟

- ثانياً: إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الأموات لأننا نظن ظن السوء أنهم يعذبون وما يدرينا لعلهم ينعمون.

- ثالثاً: إن وضـع الجريد والزهور لما كان عليه سلف الأمة الصالحة الذين هم أعلم بشريعة الله منا.

- رابعاً: إن وضع جريد النخل على القبر خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الخطابي في معالم السنن: "أنه من التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما"... إلى أن قال: "والعامة في كثير من البلدان تغرس الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه" (1/27).

ويؤيد أن وضع الجريد خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ما ورد في حديث جابر عند مسلم وفيه: "أني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين"، فهذا دليل على أن رفع العذاب عنهما كان بسبب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بسبب نداوة الغصنين.

. وبناء على ما تقدم لا أنصح أحداً من المسلمين بوضع جريد النخل أو أكاليل الزهور على القبور، وأنصح من يفعلون ذلك بأن يتصدقوا بثمن ذلك عن أمواتهم، فإن ذلك ينفعهم ويصلهم ثوابه إن شاء الله كما قاله بعض المحققين من العلماء.


العلامة الشيخ أ.د. حسام الدين عفانه

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

العمل والإصلاح الاجتماعي


بقلم : عمر بن محمد عمر عبدالرحمن

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده...وبعد...

أيها القارئ الكريم:

أمراض أمتنا الاجتماعية متعددة ومتنوعة وهي بلا شك أكثر من أن تعد وتحصى، لكن من أهم هذه الأمراض الاجتماعية وربما يكون أخطرها كثرة الأقوال وقلة الأعمال.. هذه حقيقة يلمسها القاصي والداني، وهي أن الأعمال لا تتناسب مع الأقوال بل وأن الأعمال أيضا دون المستوى المطلوب من حيث الجودة والإتقان والإخلاص!

لقد كان النبي "- صلى الله عليه وسلم -" من أقل الناس كلامًا ولكنه كان أكثرهم عملًا، فقد كان إذا قال أوجز ولكن قوله كان فصل الخطاب، وكانت أقواله بالنسبة إلى أعماله - نسبيًا- يسيرة، إذ إن أعماله تفوق أقواله.

إن إسلامنا يدعونا إلى العمل والبذل والعطاء، والمسلم بلا عمل شجرة بلا ثمر ترتوي من ماء الأرض دون أن تعطي أي شيء وهذا ليس من خلق المسلم ولا يحقق غرض إعمار الأرض، كما يريده الله - عز وجل -.

لقد حذرنا الله - سبحانه وتعالى - من القول بلا عمل فقال: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف: 2-3).

إن المسلم إذا اقترن قوله بعمله تحول إلى طاقة وقوة بناء إيجابية تستطيع أن تقضي على معظم أمراضنا الاجتماعية، التي نعاني منها اليوم والتي أدت إلى تخلفنا في جميع مناحي الحياة وبتنا مستهلكين لإنتاج الآخرين، نأكل ونلبس ونركب مما صنع غيرنا! 
ردنا الله - وإياك - إلى الحق رداً جميلاً حميداً

بحثٌ فقهيٌّ مختصرٌ – غير مخل – اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد


بحثٌ فقهيٌّ مختصرٌ – غير مخل –
اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد

بقلم  :- عــــمر بــــن مـحـمـد عمر عبد الرحمن
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ... وبعد ..
فإذا وافق يوم عيد يوم الجمعة حضر الإمام ومن شاء من الناس، وصلى بهم؛ لحديث إياس بن أبي رملة الشامي، قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِّ)) [1]؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: ((قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون))[2] ؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: ((اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمّعون[3]  إن شاء الله))[4] ؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم، فصلى بالناس ثم قال: ((من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلّف فليتخلّف))[5].
وهذه الأحاديث تدل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة: يجوز فعلها وتركها، وهو خاص بمن صلى العيد دون من لم يصلها، ومن لم يحضر صلاة الجمعة، فإنه يصلي ظهراً؛ لأن الظهر هي الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء، والجمعة متأخر فرضها، ثم إن الجمعة إذا فاتت في غير يوم العيد وجبت صلاة الظهر إجماعاً فهي البدل عنها[6].
أما الإمام فلا تسقط عنه على الصحيح؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: ((وإنا مجمّعون))؛ ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها، بخلاف غيره من الناس))[7].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث زيد بن أرقم: إنه ((يدل على أنه لا بأس أن يترك الجمعة من حضر صلاة العيد، لكن يصلي ظهراً، ومن قال: لا يصلي ظهراً، فقد غلط، وهو كالإجماع من أهل العلم))[8].
والله أعلم ، وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد.




[1] أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، برقم 170، النسائي، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد، برقم 1590، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم، برقم 1310،وأحمد،4/ 372، والحاكم، 1/ 288، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة في صحيحه، 2/ 359، برقم 1464، وصححه ابن المديني كما في تلخيص الحبير، 2/ 88، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 295، وصحيح النسائي، 1/ 516، وصحيح ابن ماجه، 1/ 392.
[2]  أبو داود، كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، برقم 1073، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 296.
[3]  وإنا مجمعون: أي مصلون الجمعة.
[4] ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم برقم 1311، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 392.
[5] ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم، برقم 1313، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 392.
[6] انظر: سبل السلام للصنعاني، 3/ 179 - 180 بتصرف يسير.
[7] المغني لابن قدامة، 3/ 243.
[8] نقلاً من كتاب صلاة العيدين - مفهوم، وفضائل، وآداب، وشروط، وأحكام في ضوء الكتاب والسنة .. تأليف د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني.

الجمعة، 19 أكتوبر 2012

ألف سنة إلا خمسين عاما

قال تعالى في سورة العنكبوت : ((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (14) )).
قال بعض العلماء في تفسيرها :-
سؤال : 

ما الفائدة في قوله { ألف سنة إلا خمسين عاما } دون أن يقول : تسعمائة وخمسين ؟؟!!.
الجواب :

لأن العبارة الثانية - أي : تسعمائة وخمسين - تحتمل التجويز والتقريب .
فإن من قال : عاش فلان ألف سنة يمكن أن يتوهم أنه يدعي ذلك تقريبا لا تحقيقا . فإذا قال : إلا شهرا أو إلا سنة ، زال ذلك الوهم .
وأيضا المقصود تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر الألف الذي هو عقد معتبر أوصل إلى هذا الغرض .
وإنما جاء بالمميز في المستثنى مخالفا لما في المستثنى منه(يعني سنة عاما) تجنبا من التكرار الخالي عن الفائدة وتوسعة في الكلام .
اللهم فقهنا في كتابك


كتبه : 
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
رئيس قسم الحديث وعلومه بمعهد الدعوة الإسلامية

الأحد، 14 أكتوبر 2012

الانهزامية

بقلم : عمر بن محمد عمر عبدالرحمن

إن الشعور الداخلي بالانهزامية لدى أي فرد من أفراد الأمة سوف يولد لديه ارتباكاً واضحاً في علاقته مع نفسه والأفراد الذين يعيش بينهم، بل وفي علاقته مع ربه أيضاً.
فأما مع نفسه: فتبدو مظاهر هذا الداء في احتقاره لذاته احتقاراً مذموماً يترتب عليه عدم قيامه بالمسئوليات المختلفة، سواء أكانت لازمة عليه أو كانت مندوبة في حقه.
أما أثرها في علاقته مع الناس: فانك تجد هذا الانهزامي قد بدأ يميل إلى الانطوائية والعزلة في الأوساط التي يشعر أنّ بها تكاليف كثيرة، في حين أنه قد يكون اجتماعي جدا في غيرها من الأوساط . إنه دائما يلجأ إلى الهروب عندما يشعر بأن شمس المسئولية بدأت في الشروق ولعل السبب في ذلك هو مروره بتجارب سابقة فاشلة أدت إلى شعوره بأنه شخص لم يخلق لمهمة من المهمات إلا تلك التي يؤديها على المستوى الشخصي ذلك أنه إن فشل فيها فلن يشعر به احد ممن حوله كما تسول له نفسه ولكن هذا المسكين لا يعلم أن فشله الشخصي سوف يعمق في نفسه الشعور بالانهزامية وعدم الأهلية للقيام بمهمة من المهمات التي تتعلق بمصالح الآخرين لأنه يعرف جيدا أن لديهم كماً من اللوم وآخر من التوبيخ لو وزع على أهل المدينة لوسعهم.
ومن هنا يتجلى لنا حاجة مثل هذا الشخص إلى رفقة فاعلة متفائلة تعرف أن ثروتها هي الإنسان لا ما يصنع ذاك الإنسان, هي الأداة لا ما تقوم به هذه الأداة حتى تستطيع أن تثني على المتعلم المبتدئ إذا فشل لأنه ما يزال في بداية الطريق وتنبه الذي له السبق بطريقة لا تزيده إلا حماسا لا إحباطاً.
وأما في علاقته مع ربه: فإن هذه الانهزامية التي يكون سببها كثرة الذنوب، أو تأنيبه الدائم لنفسه على التفريط في النوافل، أو محاولاته المتعددة الفاشلة (كما قد يسميها هو) في قيام الليل، ربما تسبب له حالة من القنوط، وتوحي له بعدم الاستمرار في هذا الأمر الحسن الذي يرجوه.
خذ مثلاً: شاب وقع في المعاصي لفترة طويلة، خطرت في باله فكرة التوبة مرات عديدة، وفي كل مرة يحاول أن يتوب، لكن ما أن تمرّ ساعات قليلة حتى يبدأ شعوره بالصعوبات التي تواجهه يتنامى، وسرعان ما يصرف نظره عن فكرة التوبة!. وبعد أكثر من محاولة فقد نجد أنه قد تولد لديه إحساس بالبعد الشاسع بينه وبين التوبة، رغم أنّ الإنسان الذي يعرف ربه حقاً لن يرى أن بينه وبين التوبة إلا باب، ليس مغلقاً يحتاج إلى كسر، هو باب مفتوح، حتى وإن حاول التوبة ألف مرة ولم يفلح.
إنّ الروح العالية السامية التي لا تنظر إلى الإخفاقات على أنّها إخفاقات فقط، بل تنظر إليها على أنها تجارب تعلّمت منها دروساً تحملها على مواصلة المسير بخبرة أكثر وبتفتّح أوسع، هي فعلاً الروح التي تستطيع أن تتحمل المسئولية على عاتقها في ظل الظروف الحرجة التي تمر بالأمة اليوم من غياب القادة والعاملين على حد سواء.
ربّما يكون الذين يعملون لمجد الأمة اليوم ليسوا بالكفاءة المطلوبة، لكن يكفيهم أنّهم عملوا رغم لوم القاعدين لهم، وتربص البطّالين بهم لالتقاط مثالبهم ووضعها في سلة الاتهامات بجوار سلة الأعذار الواهية التي يحملونها في حلهم و ترحالهم.
ختاماً:
اعلم "إن استسلامنا للهزائم يعني أننا نرهق أنفسنا ونحملها فوق طاقتها، لأن العمل سرور وانشراح للنفس، خاصّة عندما تجد النتائج التي ترجوها، وأما الاستسلام للهزائم فيترتب عليه خمول وكبت لقدرات النفس البشرية التي من حقها أن تستغل في التعلم والعمل والإبداع، فلا داعي للانهزامية".

تأملات في الأدب القرآني ( الاستئذان )

 بقلم : عواطف المالكي
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين.
الحمد لله على نعمة الإسلام وأكرم بها من نعمة.
والصلاة والسلام على رسول الله معلم البشرية الخير، أدّبه ربه فأحسن تأديبه، تمثل القرآن الكريم في خُلقه وتأدب به، عندما سُئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلقه - صلى الله عليه وسلم - فقالت: "كان خلقه القرآن الكريم".
علَّم - عليه الصلاة والسلام - أصحابه وأدّبهم بهذا النور المبين، فأصبحوا خير القرون، لتمثّلهم به، تعلموه وعملوا به.
والقرآن الكريم يشتمل على آداب شرعية أدب الله بها عباده المؤمنين، منها: الاستئذان، هذا الأدب الجم، الذي يحفظ للنفس البشرية استقلالها، ويجلب لها الراحة والاستقرار والاطمئنان.
وقد وردت آيات الاستئذان في سورة النور، هذه السورة العظيمة التي لابد لكل أسرة مسلمة أن تحرص على تعليمها لأبنائها.
والاستئذان نوعان:
* استئذان الأجانب بعضهم على بعض.
* استئذان الأقارب بعضهم على بعض.
فلنتعلم ونتأمل هذه الآداب من خلال الآيات القرآنية، وشرح السنة القولية والفعلية لهذه الآيات.
* أولاً: استئذان الأجانب بعضهم على بعض:
قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. [النور: 27].
أمر الله - سبحانه وتعالى - في هذه الآيات عباده أن يسلكوا أدباً جمّاً، به ترتفع النفوس وتطمئن بالاستئناس والسلام.
ومن بلاغة القرآن وبيانه أنه جاء بلفظ: تَسْتَأْنِسُوا لما في هذه الكلمة من معانٍ عظيمة بدخول الأنس والطمأنينة لأهل البيت بالاستئذان والسلام، فإمّا يؤذن لك، وإلا فارجع رحب الصدر مرتاح البال.
روى الأمام أحمد عن أنس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أستأذن على سعد بن عباده، فقال: السلام عليك ورحمة الله، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سلم ثلاثاً ورد عليه سعد ثلاثاً، ولم يسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع، فاتبعه سعد فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمه إلا وهي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أُُسمعك، وأردت أن استكثر من سلامك ومن البركة. ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيباً فأكل نبي الله، فلما فرغ قال: "أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون".
فهذا معلم البشرية - صلى الله عليه وسلم - يتمثل آية الاستئذان، فعندما لم يسمع الأذن له بالدخول رجع - بأبي هو وأمي - أدب جم، وخلق كريم، وقيم تربوية، ما أحوج الأسر المسلمة لتعلمها وتلقينها لأبنائها.
علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الاستئذان ثلاثاً، فإن أذن له وإلا انصرف، مع عدم الإلحاح بالدخول أو الاستئذان أكثر من ثلاث؛ لأن الله يقول: وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ. [النور: 28]. أي: أطهر لكم ولقلوبكم. وحتى لا تكون ضيفاً ثقيلاً على أهل البيت وغير مرغوباً به.
وكذلك من الآداب التي علمنا إياها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الاستئذان: عدم الوقوف مستقبل الباب عند الاستئذان.
جاء رجل فوقف على باب النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذن، فقام على الباب أي مستقبل الباب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هكذا عنك- أو هكذا - فإنما الاستئذان من النظر". أي: حتى النظر يحتاج إلى الاستئذان، فالحكمة من الأمر بعدم الوقوف أمام الباب والوقوف بجانب الباب حتى لا يسبق النظر الإذن بالدخول، وهذا فيه احترام لحقوق أهل البيت وحياتهم ولحرماتهم.
واليوم نرى البعض لا يتأدب بهذه الآداب، فيدخل بدون استئذان، وإذا لم يؤذن له غضب وعزم على أن لا يأتي لأهل البيت ثانية!.
والبعض الآخر يترك لنظره العنان، ونظره يسبق الأذن.
وقد شدّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على مسألة النظر، ففي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو أن امرئاً أطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاةٍ ففقأت عينه ما كان عليك من جناح". وذلك صيانة لأعراض المسلمين وحرماتهم.
ومن الآداب النبوية أيضاً أن يعرف المستأذن بنفسه، ولا يقول: "أنا".
أخرج الجماعة عن جابر قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دَيْنٍ كان على أبي، فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، قال: أنا، أنا! كأنه كرهه". وإنما كره ذلك لأنه لا يحصل بها المقصود من الاستئذان الذي هو الاستئناس، وإلا فكل واحد يعبر عن نفسه بـ "أنا" فلا يُعرف من الطارق إلا بالإفصاح عن اسمه حتى يحصل الإذن.
أيضاً علّمنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيفية الاستئذان، ففي الحديث: "أتى رجل من بني عامر استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته، فقال: أألج؟. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه: اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان فقل له: قل السلام عليكم، أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل".
* النوع الثاني من الاستئذان هو: استئذان الأقارب بعضهم على بعض:
قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. [النور: 58].
أمر الله - تعالى - في هذه الآية المؤمنين بأدب الاستئذان من قبل خدمهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاث أحوال:
الحالة الأولى: من قبل صلاة الفجر؛ لعلةِ أن الناس نيام في فرشهم.
الحالة الثانية: وقت الظهيرة، والعلة في هذا الوقت أن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، ويسمى هذا الوقت "القيلولة" حيث ينام فيه المرء ويرتاح جسده.
الحالة الثالثة: من بعد صلاة العشاء، لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت (الزوجين) في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل مع أهله أو نحو ذلك من الأعمال؛ لذلك عبر عنها بقوله - تعالى -: ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ.
فإذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم؛ لأنهم طوافون عليكم في الخدمة وغير ذلك، ولأن الأطفال كثيري الدخول على أبويهم، فحذّر هذه الأوقات للمنع احتراماً لهم أن تقع أنظارهم على ما يخدش الحياء، وحتى لا يرى الأطفال أشياء يجب أن نمنعهم عنها حفاظاً عليهم.
ولما كانت آية الاستئذان آية محكمة وكان عمل الناس بها قليلاً أنكر عليهم عبد الله بن عباس - حبر الأمة - أنه قال: "لم يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن وإني لأمر جاريتي هذه أن تستأذن علي، أي لم يعملوا بها كثير من الناس".
ثم أمر الله - سبحانه وتعالى - الأطفال إذا بلغوا الحلم - أي سن الرشد والتكليف - وجب عليهم الاستئذان في كل الأوقات والأحوال وليس فقط في الأحوال الثلاثة، وذلك في قوله - تعالى -: وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ. [النور: 59] يعني: كما كان الأطفال قبل أن يبلغوا الحلم يستأذنون فليستأذن الذين بلغوا الحلم دائماً.
* الاستئذان على الأمهات والأخوات:
ويجب الاستئذان على الأمهات والأخوات، فقد روي أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في منزلي على الحال لا أحب أن يراني أحد عليها لا والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فنزلت الآية، قال - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. [النور: 27].
* وقفة:
في قوله - تعالى -: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا.
قال ابن كثير في تفسيره: " هو الاستئذان ثلاثاً، فمن لم يؤذن له منهم فليرجع.
أما الأولى فليسمع الحي، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا، وإن شاءوا ردّوا، ولا تقفنّ على باب قوم ردّوك عن بابهم، فإن للناس حاجات، ولهم أشغال، والله أولى بالعذر". أهـ
وفي قوله - تعالى -: وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ. أي أطهر. وقال قتادة: قال بعض المهاجرين: "لقد طلبت عمري كله هذه الآية، فما أدركتها، أن استأذن على بعض إخواني فيقول لي: ارجع وأنا مغتبط".
إنّه يفرح بامتثاله لأوامر الله - تعالى -، وتطهر الله - تعالى -له، هكذا الصحابة رضوان الله عليهم يعتبرون القرآن رسائل من ربهم لهم، فلا يتجاوزون الآية حتى يتعلموها ويعملوا بها، فرضي الله عنهم أجمعين.
ونحن الآن نرى أنّ الأم والأب يربون أبناءهم على أمور كثيرة ولكن يغفلون عن تعليمهم الاستئذان وآدابه، ونرى الأطفال يدخلون على الوالدين في جميع الأوقات والأحوال، وينامون معهم بعض الأحيان على سررهم، ويظنون أن الطفل لا يفهم، وأنه صغير! والله علمنا في الآية التي أمر بها الأطفال بالاستئذان أنهم لم يبلغوا الحلم، أي: أنهم تحت سن التمييز الذين نظن أنهم اليوم صغاراً، ثم نرى أطفالنا اليوم وهم صغاراً يعلمون ويعرفون أموراً لا ينبغي لهم، ثم نقول من أين لهم هذا؟!. وهذا من عدم تنفيذنا لأوامر الله - تعالى - والعمل بها.
وقد استنكر ابن عباس على أكثر الناس في زمانه بعدم العمل بآية الاستئذان، فكيف لو رآنا في هذا الزمان والأطفال يدخلون في كل حين؟ والله المستعان.
فلنتعبّد اللهَ - تعالى - بهذا الأدب الرباني، ونعلم أبناءنا كيفية الاستئذان ومتى يكون وأحواله، والحكمة منه في حال كبرهم وبلوغهم الحلم.
وأمّا الصغار منهم فنأمرهم بالاستئذان في الأحوال الثلاثة؛ لكي نعمل بالقرآن ونتمثّله كما تمثّله الصحابة رضوان الله عليهم.
نسأل الله - عز وجل - أن يعلمنا العلم النافع، وأن يرزقنا العمل الصالح، ونسأله - سبحانه - الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد.
والحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ألغاز لغوية


- هل يجوز للإنسان بيع الوقف؟
 الجواب: نعم ولو بلغ ثمنه مائة ألف.
الوقف: حُلي المعصم كالسوار، وهو من عاج.

- هل يجوز للإنسان بيع الريحان؟
 الجواب: لا يجوز ولو لكسوة العريان.
 الريحان: الولد.

- ما تقول في بيع أم عطية؟
 الجواب: يجوز سراً وعلانية!
 أم عطية: الرحى.

- ما تقول في أكل أم جابر؟
 الجواب: يجوز في الماضي والغابر.
 أم جابر: الخبز والهريسة، وكلا المعنيين جائز هنا.

- ما تقول في أكل المنشار والمنارة؟
 الجواب: جائزٌ كأكل قثَّاء وخيارة!
 المنشار: سمكة على هيئة المنشار.
 والمنارة: سمكة على هيئة المنارة.

- ما تقول في شافعي لمس الإبريق؟
 الجواب: يُنتقض وضوءه عند كل صديق!
 الإبريق: المرأة الحسناء البّراقة.

- ما تقول في شافعي لمس الكنيسة؟
الجواب: يُنتقض وضوءه عند كل أنيسة.
- الكنيسة: المرأة الحسناء.

- ما تقول فيمن سجد على شماله؟
- الجواب: لا بأس بفعاله.
 الشمالة: قطيفة للصلاة.

- ما تقول فيمن حمل جروًا وصلّى؟
- الجواب: هو كما لو حمل باقلاَّ.
 الجرو: البطيخ الصغير.

- ماذا لو ضحكت المرأة في صومها؟
 الجواب: بطل صوم يومها.
 يقال: ضحكت المرأة أي حاضت.

- ما تقول في وجود السبت يوم الخميس؟
 الجواب: يجوز عند كل أنيس.
 السبت: حلق الرأس.

- ما تقول فيمن ضرب على يد اليتيم؟
 الجواب: جائز إلى أن يستقيم.
 يقال: ضرب على يد اليتيم: حجر عليه إلى بلوغ رشده.

- ماذا يجب على من مَلَك مائة مصباح؟
 الجواب: حُقَّتان يا صاح!
 المصباح: الناقة.

- هل يجوز أن يُضحَّى بالطالق؟
الجواب: نعم ويُقرى منها الطارق.
 الطالق: الناقة تُرسل في المرعى، ويُقري: أي يُطعم منها الطارق وهو الضيف السائل.

- هل يوجد أعور له عينان؟
 الجواب: يوجد في القاموس والتبيان.
الأعور: الغراب.

- هل يجوز للرجل أن يذبح خاله للأضحية؟
 الجواب: نعم تكون جميع أفعاله مرضية!
 الخال: البعير الضخم.

- ما تقول في ذبح أبي الفضائل؟
الجواب: يجوز عند المناهل.
أبو الفضائل: كنية الجمل.

- ما تقول في ذبح أم الوليد؟
 الجواب: يجوز عند كل فريد.
 أم الوليد: كنية الدجاجة.

- ما تقول في جواز قتل الرقيب؟
 الجواب: جائز للبعيد والقريب.
 الرقيب: حية خبيثة.

في الكليات:
كل ما أشبه رأسه رأس الحيات: فهو حنش.
كل شجر له شوك: فهو عضاة.
كل أرض مستوية: فهي صعيد.
كل شيء دبَّ على الأرض: فهو دابَّة.
كل جبل عظيم: هو أخشب.
كل ما ارتفع من الأرض: فهو نجد.
كل فعلة شنيعة: فهي سَوْأة.
الأشياء الصغيرة:
القارب: السفينة الصغيرة.
القَلَهْزم: الغرس الصغير.
الجدول: النهر الصغير.
الذَّر: صغار النمل.
الحُسبلة: الوسادة الصغيرة.
الخُشَيْش: الغزال الصغير.
السَّوملة: الفنجانة الصغيرة.
الحبلَّق: صغار المعز.
الفسيل: صغار الشجر.
اللَّمَم: صغار الذنوب.

من لطائف اللغة للبابيدي
(ما تقول في هالك هلك وترك: خال ابن عمته ولا خال لإبن العمة غيره.
وعمة ابن خاله ولا عمة له غيرها أيضا. فما يكونان من هذا الميت؟
الجواب: (أنهما أب وام الميت).

المصدر كتاب: الدرر البهية في الألغاز الفقهية