الجواب :
ينقسم الصيام من حيث الوقت والزمن الى صيام له وقت معَّين ( صوم عين)
وصيام ليس له وقت وزمن معين ( صوم دَيْن ).
وصوم العين إمّا بتعيين اللّه تعالى ، كصوم رمضان ، وصوم التّطوّع
خارج رمضان ، لأنّ خارج رمضان متعيّن للنّفل شرعاً , وإمّا بتعيين العبد ، كالصّوم
المنذور به في وقت بعينه.
وأمّا صوم الدّين ، كصوم قضاء رمضان ، وصوم كفّارة القتل والظّهار
واليمين , والإفطار في رمضان ، وصوم متعة الحجّ ، وصوم فدية الحلق ، وصوم جزاء
الصّيد ، وصوم النّذر المطلق عن الوقت ، وصوم اليمين ، كمن قال : واللّه لأصومنّ
شهراً.
وينقسم من حيث حكمه وانشغال الذمة به الى واجب وغير واجب ومختلف فى
وجوبه .
فأما الواجب: مثل صوم رمضان , صوم كفّارة
القتل الخطأ ، وصوم كفّارة الظّهار ، والصّوم المنذور به ، وصوم كفّارة الجماع في
نهار رمضان , صوم قضاء رمضان , الصّوم في كفّارة اليمين ، وصوم النّذر المطلق ،
وصوم اليمين المطلقة , وصوم المتعة في الحجّ ، وصوم كفّارة الحلق ، وصوم جزاء
الصّيد على المحرم ، قال
اللّه - عزّ وجلّ - في صوم المتعة : «فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ (196) البقرة» .
وقال في كفّارة الحلق : « وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ » (البقرة).
وقال في جزاء الصّيد : « أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ » [المائدة – 95]
.
وغير الواجب (صوم التطوع) ومنه:
صوم يوم عاشوراء , صوم يوم عرفة , صوم يوم الاثنين والخميس من كلّ
أسبوع , صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وهي الأيّام البيض , صيام ستّة أيّام من
شوّال , صوم شهر شعبان , صوم شهر المحرّم , صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في
السّنّة الشّريفة.
والمختلف فى وجوبه مثل :
قضاء ما أفسده من صوم النّفل , صوم الاعتكاف .
وينقسم من جهة اشتراط التتابع فى الاداء من عدمه إلى:
صوم يشترط فيه التتابع ومنه:
صوم رمضان ، فقد أمر اللّه تعالى بصوم الشّهر بقوله سبحانه : « فَمَن
شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ » والشّهر متتابع ، لتتابع أيّامه ، فيكون
صومه متتابعا ضرورةً.
صوم كفّارة القتل الخطأ ، وصوم كفّارة الظّهار ، والصّوم المنذور به
في وقت بعينه ، وصوم كفّارة الجماع في نهار رمضان.
صوم لا يجب فيه التّتابع ومنه:
قضاء رمضان ، فمذهب الجمهور عدم اشتراط التّتابع فيه ، لقوله تعالى :
« فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ » فإنّه ذكر الصّوم مطلقاً عن التّتابع.
ويروى عن جماعة من الصّحابة ، منهم : عليّ ، وابن عبّاس ، وأبو سعيد
، وعائشة ، رضي الله تعالى عنهم أنّهم قالوا : إن شاء تابع ، وإن شاء فرّق.....
ومذهب الجمهور هو : ندب التّتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.
الصّوم في كفّارة اليمين ، وفي اشتراط تتابعه خلاف .
صوم المتعة في الحجّ ، وصوم كفّارة
الحلق ، وصوم جزاء الصّيد ، وصوم النّذر المطلق ، وصوم اليمين المطلقة.
س : هل من الصوم ما هو محرم ؟
الجواب :
1- يوم الفطر ويوم الاضحى:
ذهب الجمهور إلى تحريم صوم يوم عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحى.
وذلك لأنّ هذه الأيّام منع صومها كما فى حديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ : يَوْمِ
الْفِطْرِ ، وَيَوْمِ النَّحْر"ِ [مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ ].
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ
مُسْلِمٍ :
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ
صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ ، سَوَاءٌ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ ؟
أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا
مُتَعَمِّدًا لِعَيْنِهِمَا .أ.هـ
2- صوم
الحائض والنفساء:
ومما يحرم من الصوم صيام الحائض والنّفساء ، وصيام من يخاف على نفسه
الهلاك بصومه.
ففى الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ
تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا" [البخارى
- كتاب الصوم - بَاب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ]
وفى الحدبث عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ
فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ
فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي
أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا
نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ" [مسلم – كتاب الحيض - بَاب
وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ دُونَ الصَّلَاةِ]
قال النووى فى الشرح:
هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى
أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لَا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَلَا الصَّوْم
فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلَاة
, وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم . قَالَ الْعُلَمَاء
وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلَاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا
بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا
كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ.أ.هـ
وقال ابن حجر فى فتح الباري:
وَمِمَّا يُفَرَّق فِيهِ بَيْن الصَّوْم وَالصَّلَاة فِي حَقّ
الْحَائِض أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ قَبْل الْفَجْر وَنَوَتْ صَحَّ صَوْمهَا فِي
قَوْل الْجُمْهُور وَلَا يُتَوَقَّف عَلَى الْغُسْل.
والحائض والنّفساء إذا طهرتا في أثناء النّهار ، فالراجح أنّه لا يلزمهما الإمساك ، ونقل الغزالى
الاتّفاق عليه.....( قلت فيه خلاف لكن المذكور هو الاصح لكن عليها ان تستتر
بالافطار)....ومما اتفقوا عليه ان صيام الحائض والنفساء - حال حيضهم – محرم وانهم
ان صاموا لم يجزئهم وعليهم الاعادة وجوبا.
3- أيام التشريق:
وأيّام التّشريق لحديث
نبيشة الهذليّ - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «
أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب ، وذكر اللّه - عزّ وجلّ » .[
ابو داود والنسائى - تحقيق الألباني : صحيح ]
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ
الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَيَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
إلَّا مُؤْمِنٌ ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ] .
وحديث أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن يطوف في أيام منى : ألا لا تصوموا
هذه الأيام , فإنها أيام أكل و شرب و ذكر الله " . [أخرجه الطحاوي و أحمد ، واورده
الالبانى فى الصحيحة]
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
عَلَى تَحْرِيمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ
فَمَنْ بَعْدَهُمْ .
قَالَ فِي ْفَتْحِ الباري : وَقَدْ رَوَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي طَلْحَةَ
مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا .
وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَنْعَ مُطْلَقًا ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ
.
واستثنى المالكيّة والحنابلة في رواية : صوم أيّام التّشريق عن دم
المتعة والقران
وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا :
لَمْ يُرَخِّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ
الْهَدْيَ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ].
وَلَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا :
الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ ،
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى " .
4- يوم
الشّكّ :
وهو يوم الثّلاثين من شعبان إذا غمّ على النّاس فلم يروا الهلال
اختصّ تحريم صيامه ، لما رواه صلة بن زفر قال : كنّا عند عمّار في اليوم الّذي
يشكّ فيه فأتى بشاة مصليّة ، فتنحّى بعض القوم ، فقال عمّار : من صام هذا اليوم
فقد عصى أبا القاسم.
قال فى كتاب
الصوم من الشرح الممتع : [(ج 1 / ص 6)]
يحرم صومه لقول
الرسول صلّى الله عليه وسلّم :
" لا تقدموا رمضان بصوم يوم
أو يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً
فليصمه " وإن لم يكن يصوم
صوماً فصام هذا اليوم الذي فيه شك فقد تقدم رمضان بيوم.
ولحديث عمار بن ياسر - رضي
الله عنهما - الذي علقه البخاري، ووصله
أصحاب السنن: " من
صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم "
وقول النبي صلّى الله عليه
وسلّم: " الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا
تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " فقوله: " أكملوا العدة ثلاثين " أمر، والأصل في الأمر
الوجوب ، فإذا وجب إكمال شعبان
ثلاثين يوماً حرم صوم يوم الشك.
وقوله صلّى الله عليه وسلّم:
" هلك المتنطعون " فإن هذا من باب التنطع في
العبادة، والاحتياط لها في غير محله.أ.هـ
س: هل من الصيام ما هو مكروه ؟
الجواب :
واما الصّوم المكروه ، فيشمل ما يلي:
أ - إفراد يوم الجمعة بالصّوم:
نصّ على كراهته الجمهور ، ويدل على ذلك الحديث المتفق عليه من حديث مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرًا : "
أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ " .
وعن أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ" [البخاري -كتاب الصوم - صَوْمُ
يَوْمِ الْجُمْعَةِ ، إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْم الْجُمْعَة فَعَلَيْهِ أَنْ
يُفْطِرَ]
وَلِمُسْلِمٍ : " وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ
الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ
يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ " [مسلم (1930)]
وعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا
يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ قَالَتْ لَا قَالَ
تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فَأَفْطِرِي" [البخارى (1850)]
قال ابن حجر فى فتح الباري:
قَوْله ( لَا يَصُوم أَحَدكُمْ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ بِلَفْظِ
النَّفْي وَالْمُرَاد بِهِ النَّهْي , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ "
لَا يَصُومَن " بِلَفْظِ النَّهْي الْمُؤَكَّدِ .
قَوْله : ( إِلَّا يَوْمًا قَبْله أَوْ بَعْده ) تَقْدِيره إِلَّا
أَنْ يَصُوم يَوْمًا قَبْله...... وَلِمُسْلِمٍ عَنْ
الْأَعْمَش " لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَة إِلَّا أَنْ يَصُومَ
يَوْمًا قَبْله أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ "...... وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَة " لَا تَخُصُّوا لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَامٍ مِنْ بَيْن
اللَّيَالِي , وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام
, إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومهُ أَحَدُكُمْ " وَرَوَاهُ أَحْمَد
عَنْ اِبْن سِيرِينَ بِلَفْظِ " نَهَى أَنْ يُفْرَدَ يَوْم الْجُمُعَة
بِصَوْمٍ "........ثم قال:
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُقَيِّد النَّهْيَ الْمُطْلَق فِي حَدِيث
جَابِر وَتُؤَيِّدُ الزِّيَادَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ تَقْيِيد الْإِطْلَاق
بِالْإِفْرَادِ , وَيُؤْخَذ مِنْ الِاسْتِثْنَاء جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْله
أَوْ بَعْده أَوْ اِتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا
كَمَنْ يَصُوم أَيَّام الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ
كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ , وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ
صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْم قُدُوم زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْم شِفَاء فُلَانٍ .
أ.هـ
ب - صوم يوم السّبت وحده خصوصاً:
وقد ورد فيه حديث عبد اللّه بن بسر ، عن أخته ، واسمها الصّمّاء رضي
الله تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تصوموا يوم السّبت
إلاّ فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه » (اللِّحَاءُ : قِشْرُ الشَّجَرِ) .
[ والحديث أخرجه أخرجه أبو
داود وقال هذا حديث منسوخ و الترمذى و الدارمى وابن ماجه وغيرهم ... وقال الألبانى
فى "إرواء الغليل" 4/118 : صحيح ] .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن ومعنى كراهته في هذا أن يخص الرجل يوم
السبت بصيام لأن اليهود تعظم يوم السبت .
قال الحافظ فى " بلوغ المرام " 1 / 139 : رجاله ثقات , إلا
أنه مضطرب , و قد أنكره مالك . و قال أبو داود : هو منسوخ .
قال الشوكانى:
وَقَدْ جَمَعَ صَاحِبُ الْبَدْرِ الْمُنِيرِ بَيْنَ
هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ : النَّهْيُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْإِفْرَادِ
وَالصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَيْهِ ، وَيُؤَيِّدُ
هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إذْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ صَامَ
الْجُمُعَةَ أَنْ يَصُومَ السَّبْتَ بَعْدَهَا وَالْجَمْعُ مَهْمَا أَمْكَنَ
أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ .أ.هـ [نيل الأوطار - (ج 7 / ص
163)]
قال الالبانى : [الصحيحه:[ 5 / 522]
و اعلم أنه قد صح النهي عن
صوم يوم السبت إلا في الفرض , و لم يستثن عليه الصلاة والسلام غيره , و هذا بظاهره مخالف لما تقدم من إباحة صيامه مع صيام
يوم الجمعة , فإما أن يقال بتقديم الإباحة على النهي , و إما بتقديم النهي على
الإباحة , و هذا هو الأرجح عندي
ووجه الكراهة أنّه يوم تعظّمه اليهود ، ففي إفراده بالصّوم تشبّه بهم
، إلاّ أن يوافق صومه بخصوصه يوماً اعتاد صومه ، كيوم عرفة أو عاشوراء.أ.هـ
ج - صوم يوم الأحد بخصوصه:
ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ تعمّد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه
، إلاّ إذا وافق يوماً كان يصومه ، واستظهر ابن عابدين أنّ صوم السّبت والأحد معاً
ليس فيه تشبّه باليهود والنّصارى ، لأنّه لم تتّفق طائفة منهم على تعظيمهما ، كما
لو صام الأحد مع الاثنين، فإنّه تزول الكراهة ، ويستظهر من نصّ الحنابلة أنّه يكره
صيام كلّ عيد لليهود والنّصارى أو يوم يفردونه بالتّعظيم إلاّ أن يوافق عادةً
للصّائم.
د - إفراد يوم النّيروز بالصّوم:
يكره إفراد يوم النّيروز ، ويوم المهرجان بالصّوم ، وذلك لأنّهما
يومان يعظّمهما الكفّار ، وهما عيدان للفرس ، فيكون تخصيصهما بالصّوم - دون غيرهما
- موافقةً لهم في تعظيمهما ، فكره ، كيوم السّبت.
وعلى قياس هذا كلّ عيد للكفّار ، أو يوم يفردونه بالتّعظيم ونصّ ابن
عابدين على أنّ الصّائم إذا قصد بصومه التّشبّه ، كانت الكراهة تحريميّةً.
لكن أخرج الترمذى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم
:" كان يصوم من الشهر السبت و الأحد و الاثنين و من الشهر الآخر
الثلاثاء و الأربعاء والخميس"[قال الألباني :(صحيح)
انظر حديث رقم: 4971 في صحيح الجامع]
وفى الحديث عن أم سلمة : أن النبى صلى الله عليه وسلم
كان يصوم من الأيام السبت و الأحد و كان يقول : " إنهما يوما عيد المشركين
فأحب أن أخالفهم " .
[ قال الحافظ فى " الفتح " 4 / 235
: صححه ابن حبان .]
هـ - صوم الوصال:
ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في
قول - إلى كراهة صوم الوصال ، وهو : أن لا يفطر بعد الغروب أصلاً ، حتّى يتّصل صوم
الغد بالأمس ، فلا يفطر بين يومين....وذلك لما جاء فى الحديث عن أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَأَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ
يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ
وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ
تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا".[
البخاري - كتاب الصوم - باب التنكيل لمن اكثر الوصال ]
والنّهي وقع رفقاً ورحمةً بالصائمين،
ولهذا واصل النّبيّ صلى الله عليه وسلم , وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها ، وكذا
بمجرّد الشّرب لانتفاء الوصال , ولا يكره الوصال إلى السّحر عند الحنابلة ، لحديث
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ
أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ قَالُوا فَإِنَّكَ
تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي
مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ"...[ البخارى - كتاب
الصوم - باب الوصال الى السحر]
ولكنّه لو واصل فقد ترك سنّةً ، وهي : تعجيل الفطر ، فترك الوصال
أولى محافظةً على السّنّة.
وعند الشّافعيّة قولان - الأوّل وهو الصّحيح - بأنّ الوصال مكروه
كراهة تحريم ، وهو ظاهر نصّ الشّافعيّ رحمه الله ، والثّاني : يكره كراهة تنزيه.
و - صوم الدّهر - صوم العمر :
جاءت النصوص الكثيرة بما يدل على كراهة
صوم الدّهر ، وعلّلت الكراهة بأنّه يضعف الصّائم عن الفرائص والواجبات والكسب
الّذي لا بدّ منه ، أو بأنّه يصير الصّوم طبعاً له ، ومبنى العبادة على مخالفة
العادة, واستدلّ للكراهة ، بحديث عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ "[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ]
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : " قِيلَ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ ؟ قَالَ : لَا صَامَ وَلَا
أَفْطَرَ ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ "[ اخرجه ابو داود والنسائى والترمذى قال الالبانى : صحيح] .
قوله :" لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ
" قَالَ فِي ْفَتْحِ الباري: أَيْ لَمْ يَحْصُلْ أَجْرَ الصَّوْمِ
لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُفْطِرْ ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ وَإِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ
الدَّهْرِ مُطْلَقًا ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ
أَحْمَدَ , وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : يَحْرُمُ ، وَيَدُلُّ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ
أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ ,
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي الْفَتْحِ إلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ !!! .
ى- يكره تخصيص رجب بالصوم :
قال أحمد وإن صامه رجل أفطر فيه يوما أو أياما بقدر ما
لا يصومه كله ووجه ذلك ما روى عن أحمد عن خرشة بن الحر قال : " رأيت عمر يضرب
أكف المترجبين ( الذين يخصون رجب بصيام) حتى يضعوها فى الطعام و يقول : كلوا فإنما
هو شهر كانت تعظمه الجاهلية " [قال الألبانى فى
"إرواء الغليل" 4/113 :صحيح] .
وبإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدون
لرجب كرهه وقال : صوموا منه وأفطروا وعن ابن عباس نحوه وبإسناده عن أبي بكرة أنه
دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أجعلتم رجب
رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان قال أحمد : من كان يصوم السنة صامه وإلا فلا
يصومه متواليا يفطر فيه ولا يشبه برمضان.أ.هـ [ المغنى – ج6 ص181]
وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَرِدْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ
رَجَبٍ عَلَى الْخُصُوصِ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى
فِيهِ وَاهِيَةٌ لَا يَفْرَحُ بِهَا عَالِمٌ .
قال الألبانى فى "إرواء الغليل" 4/114 :
وفى الحديث عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ فَقَالَتْ :" بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً
الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ
فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ
يَصُومُ الْأَبَدَ.........." [المِيثَرَةَ
: الفراش الوطئ ] [الْأُرْجُوَانِ : صبغ احمر شديد الحمرة ]
[أخرجه مسلم (3855)].
و
عليه يشكل قوله فى هذه الرواية : " فكيف بمن يصوم الأبد " , فقد فسروه
بأنه
إنكار
منه لما بلغ أسماء من تحريمه , و أخبار منه أنه يصوم رجبا كله , و أنه
يصوم
الأبد . كما فى شرح مسلم للنووى , و " السراج الوهاج " لصديق حسن خان (
2/285 ) .
والله أعلم، وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد.
كتبه راجي عفو مولاه:-
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عَامَلَهُ اللهُ بِلطْفهِ الخَفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق