بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الترجمة أفدتها من الشيخ ، من فيه ، في داره بعين شمس من القاهرة ، عشية يوم الإثنين 2/6/2008 ( 28 جمادى الأولى 1429 ) ، وزدت عليها أشياء قليلة من معرفتي وبحثي ، وزدت عليها خبر صلتي به وقراءتي عليه . وأظنها أطول ترجمة له تخرج إلى اليوم ، وأكثرها تفصيلاً . وعملي فيها الصياغة ، والترتيب ، وزيادة ما زدت . والله المسؤول أن ينفع بها ، إنه قريب مجيب . وسميتها : الثمر القطيف ، في ترجمة شيخنا العلامة عبد الحكيم ابن عبد اللطيف .
• الاسم والأصل :هو فضيلة الشيخ العلامة المقرئ المتقن : عبد الحكيم بن عبد اللطيف بن عبد الله بن سليمان ، أصله من بلد اسمها الطويرات في صعيد مصر ، والنسبة إليها الطويري ، ولد في مصر بمنطقة الدمرداش أمام مسجد المحمدي ، يوم 17/9/1936 ( وهو يوافق على التقريب غرة رجب سنة 1355 ) . نزح والده من الصعيد وعمر الوالد نحو 17 سنة ، وكان يتاجر في الخشب ، وكان له محلات بقالة ، وكان يقاول على العمائر المراد هدمها ، فيهدمها ويأخذ ما فيها من الخشب والحديد والحجارة ، ويسلمها أرضًا لصاحبها .
• المكتب :
بعث به والده ووالدته وعمره أربع سنوات أو خمس إلى مكتب المحمدي بمنطقة الدمرداش ، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره نحو 12 أو 13 سنة .
1- وكان شيخ المكتب الشيخ إمام عبده حلاوة ، وقد تلقى الشيخ إمام القرآن الكريم عن الشيخ حسن الجريسي عن أبيه الشيخ حسن الجريسي أيضًا الشهير ببدير ، عن الشيخ المتولي ، برواية حفص ، وأخذ أيضًا عن شيخ من شيوخ المتولي . وكان الشيخ إمام معتنيًا بتلاميذه ، يُصحَّح عليه القرآن الكريم بعد الكتابة في الألواح أو على أخيه إن كان غائبًا .
2- وكان مع الشيخ إمام أخوه عبد الله عبده حلاوة ، وقد قرأ على الجريسي المذكور أيضًا .
3- وبعد أن أتم الحفظ قرأ الشيخ عبد الحكيم على تلميذ شيخه الشيخ علي مصطفى عرفة عدة ختمات إعادة ، وعلى غيره من مشايخ هذا المسجد .
• معهد القراءات :
ثم التحق بالمعهد الديني الابتدائي بالأزهر ، وبعد أن انتظم في الدراسة أصر والده على أن ينتقل إلى معهد القراءات بالأزهر ، وكان ذلك نحو سنة 1950 .
وكان المعهد قسمين ، قسمًا في مبنى أمام الجامع ، وقسمًا في الرواق العباسي للشهادة العالية والتخصص ، وحضر على مشايخ المعهد ، وكانوا على جانب كبير من العلم ، وكان لا يدرِّس بالمعهد إلا من قرأ القراءات العشر ، وناظمة الزهر في العد ، والعقيلة في الرسم ، مع حصوله على العالمية في القراءات .
• إجازة االتجويد بحفص :
ومن المشايخ الذين حضر لهم واستفاد منهم في مرحلة إجازة حفص :
4- الشيخ محمود علي بِسَّة ، كان محاميًا شرعيًّا ، واعتزل المحاماة واشتغل بالتدريس ، وكان يحمل الابتدائية الأزهرية ، والثانوية الأزهرية ، والعالمية ، وتخصص القضاء الشرعي ، وتخصص التدريس ، وتلقى القراءات العشر ، ودرس الرسم والفواصل . أخذ عنه الشيخ عبد الحكيم إجازة التجويد ، فقرأ عليه عدة ختمات ، وحضر له شرح التحفة والجزرية . وألف كتابًا حافلاً في التجويد سماه : العميد في علم التجويد . وكان حنبليًّا ، قال الشيخ عبد الحكيم : " وهو الذي حنبلني ، وحببني في هذا المذهب ، وأرشدني إلى كتب الحنابلة ، كالمقنع " .
وفي هذه المرحلة وفي أول التي تليها عشق القراءات ، وأجراها الله في دمه ، وهذا سبب تلقيه لها عن مشايخ خارج المعهد .
• عالية القراءات :
وبعد أن أتم المرحلة الأولى وهي إجازة التجويد بحفص ، انتقل إلى المرحلة الثانية ، وهي مرحلة عالية القراءات ، وهي تتضمن دراسة الشاطبية والدرة ، وغير ذلك من التفسير والرسم والفواصل والنحو والصرف والفقه .
5- وفي هذه المرحلة حضر شرح الشاطبية والدرة على الشيخ محمد عيد عابدين ، وقد حصل الشيخ محمد عيد على الدكتوراه بعد ذلك وهو في التدريس ، وله مثل مؤهلات الشيخ محمود علي بسة ، غير أن الشيخ عابدين كان حنفيًّا ، وكان عالمًا فذًّا ، وكان يعتني بتلاميذه ، وخصوصًا في حفظ متن الشاطبية والدرة ، والذي يقصِّر في الحفظ من الطلاب يقسو عليه جدًّا ، وكان هذا في مصلحة الطالب .
6- وحضر على الشيخ أحمد مصطفى أبو حسن ، في العرض والتطبيق للشاطبية والدرة ، فكان لهم شيخ يشرح ويُعرَض عليه المتن ، وشيخ يُقرأ عليه للتطبيق .
7- وحضر علي الشيخ أحمد علي مرعي .
8- والشيخ متولي الفقاعي .
9- والشيخ أحمد الأشموني الحنفي بمعهد القراءات ، وبالمعهد الديني حين كان فيه .
• تخصص القراءات :
ثم انتقل إلى المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة التخصص ، وحضر فيها :
10- على الشيخ عامر السيد عثمان ، شيخ المقارئ المصرية .
11- والشيخ حسن المري ، وهو من تلاميذ الشيخ الزيات .
12- والشيخ أحمد عيطة ، وكان من المشايخ الأجلاء .
13- والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات ، قرأ عليه في المعهد ، وقرأ عليه في بيته ختمة كاملة من الطيبة . وسيأتي خبر قراءته عليه ، إن شاء الله .
14- والشيخ خميس نصار .
15- والشيخ عبد المنعم السيد .
16- والشيخ محمود بكر قرأ عليه لحفص مرة أخرى .
• خارج المعهد :
وقد اتجهت عنايته إلى تلقي القراءات بالسند على المشايخ خارج المعهد :
17- فأول من تتلمذ عليه ، وحفظ عليه يديه الشاطبية والدرة : الشيخ محمد مصطفى الْمَلَّواني ، قرأ عليه الفاتحة والبقرة وآل عمران إلى قوله - تعالى - : ( إذ تصعدون ولا تلوون ) ، والشيخ الملواني قرأ على الشيخ حسن الجريسي الصغير .
18- ثم أراد والده أن يقرأ على الشيخ مصطفى منصور الباجوري شيخ مقرأة الحسين ، فقرأ عليه ختمة لحفص مع التحفة والجزرية شرحًا وتطبيقًا ، ثم قرأ عليه بالشاطبية والدرة إفرادًا وجمعًا ، من أول القرآن الكريم إلى قوله - تعالى - : ( كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ) آخر القصص .
ثم عين الشيخ عبد الحكيم مدرس ابتدائي بالأزهر بالإسكندرية ، وكان هذا أول تعيين له ، فانقطع عن شيخه بسبب عمله ، ولما رجع إلى القاهرة للتدريس فيها كان الشيخ قد توفي ، وكان قد أجازه ، لأنه كان يقرأ بين يديه في مسجد المحمدي بجميع القراءات ، وإن لم يحصل منه على الإجازة مكتوبة .
وكان له رغبة شديدة في الحصول على الإجازة الخطية منه ، لأنه كان يجله ويحبه ، ولأنه قرأ أولاً على الشيخ محمد مكي نصر صاحب نهاية القول المفيد عن المتولي ، أخذ عنه الشاطبية والدرة ، ثم تلقى القراءات عن الشيخ علي سبيع عبد الرحمن ، عن الجريسي الكبير عن المتولي ، وعن أحد شيوخ المتولي ، وكان ناظر مدرسة بوزارة المعارف ، وكان على علم بجميع القراءات متواترها وشاذها ، وعلى علم بالتفسير والنحو ، وكان يجمع مشايخ هذا العهد ، ويعقد لهم مجلسًا بمنزله أو بمنزل أحدهم ، ويقرؤون تفسير القرطبي ، وغيره من المصادر الكبيرة في العلم .
• قراءته على الشيخ الزيات :
قال الشيخ عبد الحكيم : " رأيت فيما يرى النائم في ليلة قبيل الفجر الشيخ مصطفى منصور الباجوري ، وهو يجلس في مقرأة المحمدي كعادته ، جلست لأقرأ دوري ، وكان ربع ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم) في سورة النور ، وكانت القراءة للبزي عن ابن كثير ، وجاءت آية فيها غنة عند اللام والراء ، فقال الشيخ : غُنَّ ، فاستغربت لأني قرأت عليه من الشاطبية والدرة ، وليس فيهما غنة عند اللام والراء ، فوقفت أمام شيخي في غاية الأدب ، منكسًا رأسي ، قائلا له بلسان الحال : شيخي أنت تعرف أني قوي في القراءات ، وأتقنتها عليك ، وقد أجزتني بالقراءة في المقرأة وغيرها ، بالروايات التي تلقيتها عليك ، ولكن لم يحصل لي نصيب في كتابة الإجازة بيدك . والشيخ ينظر إلي ، فلما أتممت ما جال بخاطري نحو الإجازة ضحك ، وهز رأسه مشيرًا إليَّ : أنْ نعم ، يعني هو مجيز ، وستأخذ الإجازة .
ثم بعد أن صليت الصبح جاءني هاتف أو ميل إلى زيارة الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات ، وكان يوم أربعاء ، فذهبت إليه في منزله ، فرحب بي وقال : ما الذي قطعك عنا يا عبد الحكيم ، وكنت قبلاً أذهب إليه وأقرأ معه في إحياء الغزالي ، وزاد المعاد لابن القيم ، وغيرهما ، وانقطعت عنه مدة ، وبعد أن جلست وشربت الشاي ورحب بي ، وكان وقت ذاك ليس عنده وقت لأن يقرئ إلا ناسًا مخصوصين ، وكان يقرأ عليه دكاترة ، يعيدون عليه ، فقلت له : سيدي الشيخ ، أريد أن أكمل عليك ختمة القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة ، فقد قد قرأت على الشيخ مصطفى منصور الباجوري ختمة كاملة لحفص ، وقرأت عليه ختمة بالشاطبية والدرة إفرادًا وجمعًا من أول القرآن الكريم إلى آخر القصص ، فأريد أن أكمل الختمة لأحصل على الإجازة . فترحم على الشيخ مصطفى منصور وذكر قدره ، وكانوا يعرف بعضهم قدر بعض ، وأثنى عليه ثناءً كبيرًا ، ثم سكت برهة ، وكنت أتوقع أن يقول : تعال بعد شهر أو شهرين من أجل مشاغله ، وإذا هو يقول : يا عبد الحكيم ، ستقرأ ختمة للطيبة ، وتأتي يوم السبت . وكان يوم الأربعاء ، وكنت آنذك في المعهد أكملت العالية وسأدخل التخصص ، ثم ذكرت له الشاطبية والدرة ، فقال أسند القراءات العشر من الشاطبية والدرة من طريقي . وبقيت مع الشيخ أذهب إليه ثلاثة أيام في الأسبوع ، إلى أن ختمت القراءات من الطيبة ، وكان يحاورني في الشاطبية والدرة ، وكان يعرف قدر الشيخ مصطفى الباجوري ، وختمت عليه في سنة وستة أشهر " .
• بقية مشيخته :
19- وقرأ غالب القرآن على الشيخ إبراهيم علي شحاثة السمنُّودي ، وكان حضر له في المعهد ، ولما كان الشيخ عبد الحكيم مفتشًا كان يطلب التفتيش في سمنود ليقرأ عليه ، واختبره اختبارًا شاقًّا في متون القراءات ، وعلم أنه أجازه الشيخ الزيات فأجازه إجازة مكتوبة بالكتب الثلاثة الشاطبية والدرة والطيبة .
20- وقرأ على الشيخ محمد إسماعيل الهمداني .
21- وعلى الشيخ عامر السيد مراد ثلاثة أجزاء لورش بالجامع الأزهر ، وهو صاحب السلسبيل الشافي .
22- وقرأ ثلاثة أجزاء على الشيخ خليل الباسوسي .
23- وقرأ على الشيخ أحمد هاني شيخ مقرأة السيدة نفيسة مرارًا بالقراءات .
وكان يطوف على المقارئ يقرأ على المشايخ .
• وظائفه :
وبعد أن تخرج في المعهد عُين أولاً في التعليم الابتدائي في الإسكندرية ، فبقي فيها سنة واحدة ، ثم انتقل إلى التدريس في التعليم الابتدائي بالقاهرة ، وعلَّم بالمعهد الإعدادي والثانوي بالفيوم ، ثم انتقل إلى التعليم بمعهد القراءات بالقاهرة ، وتتلمذ عليه كثيرون من المصريين وغيرهم ، ثم وصل إلى مدرس أول بالمعهد ، ثم انتقل إلى تفتيش المعاهد الأزهرية بالإدارة العامة ، ثم رقي إلى مفتش أول عام ، إلى أن أحيل على المعاش سنة 1997 .
وعين شيخًا لعدة مقارئ ، أولاً مسجد الهجيني بشبرا ، ومسجد عين الحياة الذي كان يخطب فيه الشيخ عبد الحميد كشك ، وكان يجل الشيخ عبد الحكيم ، ويحضر المقرأة من أولها إلى آخرها ( قال الشيخ عند ذكره : ، ورضي عنه ، ونور قبره ، وأسكنه فسيح جناته ) ، ثم مقرأة مسجد الشعراني ، ثم شيخًا لمقرأة مسجد السيدة نفيسة ، ومقرأة مسجد السيدة سكينة ، ثم شيخًا لمقرأة الأزهر إلى الآن ، وكان وكيلاً للجنة تصحيح المصاحف بالأزهر .
وعرضت عليه مشيخة المقارئ أيام الشيخ رزق حبة ، فقال : لا أكون شيخًا لها والشيخ رزق حبة موجود ، وبعد وفاة الشيخ رزق نزل عنها رسميًّا ، فتقلدها تلميذه الشيخ أحمد المعصراوي .
وهو اليوم الموجه الأول لعلوم القرآن والقراءات بالإدارة المركزية لشؤون القرآن الكريم بالأزهر الشريف ، وشيخ مقرأة الجامع الأزهر ، وشيخ جمعية أهل القرآن بالأزهر الشريف ، وعضو لجنة تصحيح المصاحف بمجمع البحوث الإسلامية ، وعضو لجنة المسابقات السنوية بالإذاعة والتلفزيون وإذاعة القرآن الكريم .
• رحلاته :
وزار بلادًا عدة مصليًا ، وتاليًا بالقراءات ، في شهر رمضان وغيره ، ومعلِّمًا ، وحكَمًا في المسابقات ، وكان شيخ الأزهر جاد الحق يختاره للذهاب إلى هذه الرحلات والمسابقات ، من ذلك : أستراليا ، بسيدني ، وميلبورن ، وزار تايلند ، وبومبي ، وبانغلاديش ، وشارك في مسابقات عديدة في شرق آسيا ، وزار ساحل العاج ، وحضر رمضان في سيراليون ، وروسيا ، وأمريكا ، مرة بنيويورك ، ومرة بكاليفورنيا ، وطلبوه بعد ذلك فامتنع .
وأما البلدان العربية فزار الإمارات غير مرة ، وشارك في لجنة مسابقة دبي سنة 1423=2002 ، والكويت ، وشارك في مراجعة مصحف بها ، ويذهب إلى قطر من نحو عشرين سنة للحكم في المسابقة العالمية ، واختير في السعودية حكمًا في المسابقة الدولية سنة 1422=2001 ، وسنة 1425=2004 ، وعمل بها قديمًا مدرسًا للتجويد والقراءات في الجامعة الإسلامية بالمدينة سنة واحدة ، واختاره للتدريس بها الشيخ عبد الفتاح القاضي يوم كان شيخًا لمعهد القراءات .
• خبره مع الشيخ القاضي :
قال الشيخ عبد الحكيم : " وكان الشيخ عبد الفتاح القاضي يسمعني في المعهد حين يمر لسماع الطلبة ، وزكاني لديه الشيخ رزق حبة ، وقال له : إن كنت تريد أن تختار لكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فاختر الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف ، فقال : فليحضر إلي بمنزلي بمنطقة عبده باشا ، فذهبت إليه في ليلة من ليالي رمضان ، وكان حاضرًا الشيخ مصطفى إسماعيل ، والشيخ شعبان الصياد ، ومدير شؤون القرآن الكريم بالأوقاف ، فلما رآني قال : من ؟ قلت : عبد الحكيم الذي كلمك عني فضيلة الشيخ رزق حبة ، وكنت ألبس لباسًا جديدًا كاكولا وقفطانًا وعمة ، فقال : اللباس والمنظر تمام ، فاقعد حتى أختبرك ، على من قرأت ؟ فقلت : قرأت على عدة مشايخ منهم الشيخ محمد مصطفى الملواني ، والشيخ مصطفى منصور الباجوري ، فقال : شيخ جليل ، من مشايخه الشيخ محمد مكي نصر صاحب نهاية القول المفيد ، والشيخ علي سبيع ، وهو رجل جليل القدر في علم القراءات والتفسير ، أيَّ كتاب قرأت عليه ؟ قلت : الشاطبية والدرة ، فقال : أختبرك ، وسألني في الشاطبية في سورة العنكبوت ، وأنا أجيب على التوّ وأقرأ المتن قراءة صحيحة ، ثم سألني في الدرة ، ومن ذلك في سورة مريم :
يرثْ رفعُ حُز ، واضمم عتيًّا وبابه خلقتك فِدْ ، والهمزُ في لأهبْ أُلا
فقرأتها فورًا ، فقال : بسم الله ما شاء الله ! أنت حافظ تمام ، فقلت له : امتحن كما تريد يا سيدنا الشيخ ، وقرأت أمامه قراءات ، فسمعني ، وسُرَّ جدًّا ، وأجاز قراءتي ، وقلت له بعد أن امتحنني في الشاطبية والدرة : الطيبة قرأتها على الشيخ الزيات ، قال : لا لا ! أنا لم أقرأ الطيبة لأنها عويصة ، لا تُحفظ ! " .
• من تلاميذه :
قرأ عليه كثيرون في معهد القراءات وخارجه ، من المصريين ، ومن البلاد العربية ، ومن غيرها ، وهو لا يكاد يحصيهم ، وممن قرأ عليه :
- فضيلة الدكتور الشيخ أحمد المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية الآن ، قرأ عليه للطيبة ، وسيجمع عليه للشاطبية والدرة .
- وفضيلة الشيخ محمود عكاوي من لبنان قرأ عليه بالشاطبية والدرة والطيبة .
- وفضيلة الشيخ ياسر المزروعي من الكويت لحفص ، وراجع له ختمة ليعقوب في الاستوديو كاملة .
- ومحمد خليل الزروق من ليبيا لقالون وورش وحفص والدوري عن أبي عمرو من الشاطبية ( حتى اليوم 2009 ) .
• من تآليفه :
ومن تأليفه إكمال كتاب الكوكب الدري الذي لم يكمله الشيخ قمحاوي ، وشرح منظومة قراءة الكسائي للشيخ الضباع ، سماها : حديقة الرائي ، وقد ضاع هذا الشرح عند بعض تلاميذه .
• تسجيلاته :
- وسجل ختمتين لحفص إحداهما بقصر المنفصل .
- وختمة لشعبة .
- وشرع في ختمة مصورة لأبي جعفر في قناة الفجر بلغ فيها إلى : (فحملته فانتبذت) في مريم ( 2008 ، وهو على نية إتمامها ) .
- وله في إذاعة القرآن الكريم بمصر :
1- برنامج اقرؤوا القرآن ، في التجويد التطبيقي ، يذاع الآن .
2- وثماني حلقات في التجويد العلمي .
3- وشرع في تسجيل متن الشاطبية ، وهو على نية شرحها للإذاعة .
4- وشرح حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف .
5- وقدَّم لختمتي قالون والدوري عن أبي عمرو للشيخ الحصري .
• خبر صلتي به :
في ليلة من ليالي طربلس الغرب زينتها الأضواء كنت مع الشيخ محمد بوصو السنغالي في سيارة من سيارات الضيافة الرسمية ، بعد دعوة للعشاء في جمعية الدعوة الإسلامية ، وكنا التقينا حَكَمين في مسابقة الفاتح العالمية للقرآن الكريم سنة 2005 ، فترافقنا خير مرافقة ، وجرت بيننا أحاديث القرآن الكريم والقراءات والمشايخ ، فقال لي فيما قال : إن كنت تنوي القراءة في مصر فاقرأ على الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف ، متقن متقن ! ليس هناك شيء في القراءات لا يعرفه الشيخ عبد الحكيم ! كانت هذه أول مرة أسمع فيها بذكر الشيخ ، وذلك من قصوري ، وقلة معرفتي ، فقلت له : إذا أردتُّ النزول إلى مصر أخبرتك لتكلمه لي . وفارقت الشيخ بوصو بعد صحبة نافعة ماتعة ، ولكنه كان فراق الجسم فحسب ، فما فتئنا نتكالم ونتكاتب ، وتفضل الشيخ بوصو فكلم تلميذ الشيخ عبد الحكيم الشيخ محمود عكاوي ، وتفضل الشيخ محمود فكلم الشيخ عبد الحكيم ، جزاهم الله عني خير الجزاء !
• رسالة إلى الشيخ بوصو :
" كان الطريق مزدحمًا جدًّا يوم الخميس ، بل كانت طرق القاهرة كلها واقفة ، سألت السائق لم هذا الزحام في هذه الأيام ؟ قال : لا أحد يدري ، ولا نحن - سائقي الأجرة - ندري ، قلت : وفي بلادنا تحدث عجائب لا يدري أحد سببها !
أخذ السائق في طرق خلفية متعرجة ، كانت مزدحمة أيضًا ، وأذان المغرب يتردد في الفضاء ، بقينا نحو ساعة من المهندسين إلى شارع أحمد سعيد في العباسية ، سألنا عن شارع الروبي ، ويتفرع منه شارع الشبيني ، فدلونا عليه بسهولة .
نزلت ودخلت في الشوارع الضيقة ، التي تظلم في مكان ، وتنير في مكان بأضواء الدكاكين ، حتي وصلت إلى المكان المراد : 1 شارع الشبيني المتفرع من شارع الروبي ، ( قبل أن ينتقل الشيخ إلى بيته الجديد في عين شمس ) ، وصعدت في السلم المظلم الضيق لا أكاد أرى موضع قدمي ، تحسست بيدي العلامة التي على البيت المكتوب فيها اسم صاحبه لعلي أستطيع قراءتها باللمس كفعل العميان ، ثم تذكرت الهاتف المحمول وضوءه ، فأنرته وقرأت : الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف عبد الله ، موجه أول للقرآن الكريم بالأزهر الشريف ، فنزلت ولم أطرق الباب ، فكنت كمن وجد ما يبحث عنه ، واطمأن عليه ، فلا ضير عليه في تركه . والحق أني استحييت أن أطرق الباب بلا موعد أو معرفة بحال صاحب البيت ، وكنت أنوي أن أجيء إليه في النهار ، وأنتظره أمام المبنى حتى يخرج . وجدت مسجدًا قريبًا فيه حلقة للقرآن ، كانوا يقرؤون سورة العنكبوت ، نوبة فنوبة ، ووقفوا عند آخر الجزء :( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة )الآية ، صليت المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا ، فلما سلمت سألت شيخ الحلقة عن الشيخ عبد الحكيم ، فهمَّ بأن يصف لي البيت ، فقلت له : أعرفه ، ولكني استحييت من أن أطرق بابه ، فهل ترى أن أفعل ذلك ولا حرج ؟ فقال : افعل ، لا بأس .
رجعت إلى بيت الشيخ ، وضربت الجرس فأضيء المصباح أمام البيت ، فكأنما سرت الحياة في المبنى المظلم ، وفتح الباب طفل صغير ، ما كدت أكلمه حتى ظهر لي الشيخ عبد الحكيم ، يلبس ثوبًا بنيًّا ، وطاقية على الرأس مخرّمة كلون الثوب ، ومد يده إلي مصافحًا ، وقال : تفضل تفضل ، فانحنيت مقبلاً يده ، وأنار مصباح غرفة الضيف ، كان متهلِّل الوجه ، كأني كنت معه على موعد ، كانت غرفة صغيرة مليئة بالكتب في جنباتها ، وفيها كرسيان فانتظرت حتى دخل الشيخ وقعد ، فقعدت بعده ، وسألته عن الحال والصحة في كلمات موجزة من الحياء الذي أخذني ، وقلت له : أنا من طرف الشيخ أبي الحسن بوصو والشيخ محمود عكاوي ، وأطمع في أن تجيزني في رواية قالون ، فقال : قرأت على الشيخ قشقش ؟ ( يقصد شيخنا الأستاذ الشيخ مصطفى أحمد قشقش ) قلت : لا ، بل على شيخ في مدينتنا ( أعني شيخنا الشيخ معتوق العماري ) ، فقال : بأي رواية ؟ فقلت : بقالون ، قال : فقد قرأت قالون ! قلت : ولكني أريد القراءة عليك ! قال : أنا الآن مشغول ، عندي سفر إلى الكويت ، ومسابقة في قطر ، وعندي تسجيل في الإذاعة ، ولكن عُد إليّ بعد العيد ( كان عيد الأضحى ) ، فسُرّي عن نفسي ، وقال : تقرأ بقصر المنفصل ؟ لماذا لا تقرؤون بتوسطه وقد ذكره الشاطبي ؟ فقلت له : هذا الذي شاع عندنا ، وقال : تحفظ القرآن كله ، قلت : نعم ، وتعرف أصول قالون وفرشه ؟ قلت : نعم . ورجعت أدراجي إلى المنزل في المهندسين ، أحمد الله ، وأذكر فضلك يا شيخ أبا الحسن " .
كتبت هذه الرسالة إلى الشيخ بوصو من القاهرة من مقهى للإنترنت في زقاق ضيق في حي إمبابة ، يوم الجمعة 15/12/2006 .
• انتقاله إلى بيت جديد :
عدت إلى القاهرة بعد العيد فوجدت الشيخ قد انتقل إلى بيت جديد ، وقطع الإقراء في مقرأة الأزهر ( عاد الآن ولله الحمد ) ، ولم أجد أحدًا يدلني على مكانه ، فوجدت شابًّا في شارع بيته القديم ، عليه سيما الصلاح ، سألته عن بيت الشيخ الجديد فلم يعرفه ، ولكنه وعد بأن يسأل عنه من يعرفه ، وأخذت رقم هاتفه المحمول ، وكان اسمه محمد حسن . وبقيت في القاهرة وكان لي صديق معه سيارة ، فطفت معه على المساجد التي يدلنا عليها بعض من سألْنا ، فلم يعرف أحد مكان بيته ، ولا المقرأة التي يقرئ فيها ، غير أن بعضهم يقول : حضر هنا أيامًا ، ولم يعد يحضر ، ولم يعرف أخونا محمد حسن مكانه في المدة التي بقيت فيها ، فرجعت إلى بنغازي بغير أن ألقاه . فلما عدت إلى القاهرة بعدها بمدة كان الأخ محمد حسن عرف وصف بيته الجديد فأعطانيه ، فطرت إليه طيرانًا .
• قراءتي عليه :
وشرعت في قراءة ختمة عليه برواية قالون ، قرأت النصف الأول منها بصلة ميم الجمع ، ونصفها الآخر بإسكانها ، وأكملتها في أحد عشر لقاء ، في سبعة عشر يومًا ، مع أن الشيخ قال لي أول الأمر : تقرأ علي يومًا واحدًا في الأسبوع ، ولكن الله يسَّر ، وأتممتها في هذه المدة القصيرة . ثم قرأت عليه ختمة برواية ورش في أحد وعشرين لقاءً ، ثم ختمة برواية حفص في عشَرة لقاءات ، وأجازني بالروايات الثلاث بسنده عن الشيخ الزيات ، والحمد لله على ما أولى وأنعم .
وقال لي الشيخ مرة : " الصراحة إنك تقرأ كويس ! " وقال : " أنا أشيد بيك في قالون ! " وقال : " أنا حبيتك لأنك بتحب أهل القرآن ! " وقال : " المغاربة لا يمكِّنون المد في ورش ، إنما أنت ما شاء الله ! " وقال لطالب كان يقرأ عليه لما جاءت نوبتي : " شوف القراية اللي ما فيهاش تكلف ! " ، وقرأت عليه في سيارة أجرة ( تكسي ) فقال لي بعد أن نزلنا : " السائق بيقول : قرايته زي العسل ! " .
وأعجبه شرحي على الجزرية ، وقال لي : اعمل مثله على الشاطبية ، واعتن بالمعاني القلبية ، واللطائف الوعظية ، التي يشير إليها الشاطبي .
أسأل الله أن أكون عند حسن ظن مشيختي . حفظ الله الشيخ عبد الحكيم ، وأطال عمره ، وزاد النفع فيه ، وزاد البركة في علمه وعمله وإقرائه ووقته ، وجزاه عن قَرَأَة القرآن الكريم خير الجزاء ، إنه قريب مجيب سميع الدعاء !
الفقير إلى عفو ربه
محمد خليل الزَّرُّوق
في أيام من شهر جمادى الآخرة سنة 1429 وافقت 7/2008
محمد خليل الزَّرُّوق
في أيام من شهر جمادى الآخرة سنة 1429 وافقت 7/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق