الأحد، 14 أكتوبر 2012

السهو والنسيان والفرق بينهما

بقلم د. زياد خالد المفرجي

الحمد لله الذي لايضل ولا ينسى ، قد أفلح من سبحه كلما أصبح وأمسى ، والصلاة والسلام على من جاء بالهدى والبشرى ، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنهى، وبعد 
فإن تحديد المعنى في اللفظ يحتاج إلى استقراء مدلوله في اللغة ومن ثم بلوغ الأصل الواحد الذي يدل عليه مع الإشارة إلى أنه عند حصول التعارض بين مدلول بعض الألفاظ في لغة العرب وبين مدلولها في القرآن الكريم فينبغي ترجيح مفهوم اللفظ القرآني على الآخر. 
أولاً: مفهوم كلمتي (السهو)،(النسيان):
السهوعرفه بعض علماء اللغة والأصول كما يأتي:
1. هو غفلة القلب عن الشيء بحيث يتنبه بأدنى تنبيه[1].
2. هو الغفلة عن المعلوم الحاصل فيتنبه له بأدنى تنبيه [2].
3. هو زوال المعلوم عن القوة الحافظة فقط[3].
من خلال هذه التعاريف يتبين إن السهو هو الغفلة عن عمل يقصده ويريد أن يعمل به[4]. فينبغي ملاحظة قيدين فيه: الغفلة وقصد العمل وإرادته.
ويلاحظ إن السهو لايتعلق بجزء من العمل فقط بل يتعلق أيضاً بكل العمل، ومثال السهو عن جزء من العمل سلامه صلى الله عليه وسلم على ركعتين في حديث ذي اليدين ، وصلاة الظهر خمساً في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ومثال السهو عن كل العمل قوله تعالى( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)[5]، ويلاحظ إن القرآن الكريم والسنة النبوية لم تتطرق إلى السهو في القول مما يدل على إنه متعلق بالأعمال فقط.

النسيان : عرفه بعض علماء اللغة والأصول كما يأتي:
1. هو زوال المعلوم فيستأنف تحصيله[6].
2. هو غيبة الشيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد ، أو أن تذهب عنه بحيث لا يخطر ببالك [7]
3. هو زوال المعلوم عن القوة الحافظة والمدركة[8].
من خلال هذه التعاريف يتبين أن الأصل الواحد في هذه المادة هو: الغفلة عما كان ذاكراً له[9].
هذا الأصل نلاحظه في قوله تعالى ( قال أرءيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وماأنسنيه إلا الشيطان أن أذكره)[10].فهذه الآية الكريمة تدل على إن النسيان يتحقق على شيء كان متذكراً، وكذلك قوله تعالى ( وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين)[11].
يعد النسيان من صفات البشر فقد قال سبحانه ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [12]، والنسيان يرد على النساء أكثر من الرجال ، لذلك فإن شهادتها نصف شهادة الرجل ، ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى )[13] ، فنسيان إحداهن ينجبر بتذكير الأخرى ، فالضلال في هذه الآية يعني النسيان .
ثانياً: الفروق بين (السهو)،(النسيان): من خلال تلك المعاني يتبين إن الفرق بين السهو والنسيان هو:
1. السهو يتحقق عندما تكون الغفلة عن عمل يقصد ويراد أن يعمل به كلاً أو جزءاً، أما النسيان فهو يتحقق إذا كانت الغفلة بالنسبة إلى شيء كان متذكراً له.
2. في السهو يتم التنبه إلى العمل المسهو عنه بأدنى تنبيه، أما في النسيان فيحتاج إلى تحصيل جديد.
3. والفرق الآخر يتعلق بالمعلوم الذي هو من لوازمهما وهو إن السهو يتعلق بجبر الخلل في أداء الفعل ، والنسيان يتعلق بأداء الفعل . فسلامه صلى الله عليه وسلم على ركعتين في حديث ذي اليدين ، وصلاة الظهر خمساً في حديث ابن مسعود رضي الله عنه يعد من قبيل السهو وذلك كله ليعرف كيفية أداء الصلاة في الحالات كلها من فعله ، ولولا نزول تلك الأعراض لما علم ذلك.

ثالثاً: الآثار التي تترتب على (السهو)،(النسيان):
أما من حيث النتائج ( الموجَبات التي تترتب عليهما ) فهي:
1. إن اختيار العبد للنسيان يؤدي إلى أثار، فمن اختار أن ينسى الله فإن الله سينساه( نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون)، فبداية الآية الكريمة كانت جملة فعلية (نسوا) وهي تفيد تجدد النسيان من جانبهم وباختيارهم، وكذلك الأمر لمن اختار السهو ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) حيث كان أثر اختيار السهو هو الويل.
2. أما إذا كان السهو والنسيان لم يتم اختياره من قبل الانسان بل كان لأمر طبيعي أو لغيره فلا يؤاخذ عليه الانسان، فقد رفع إثم النسيان عن الأمة بقوله عليه الصلاة والسلام (( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) فمن نسي صلاة فيتوجب عليه أداءها إذا تذكرها لقوله صلى الله عليه وسلم (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )) ، ، ومن سها عن معلوم يتوجب عليه إكماله وجبره كما هو الحال في سجدة السهو .
هذا ماوددت بيانه وما توفيقي إلا بالله 

د. زياد خالد المفرجي
-------------------------------------------------------
[1]أبو البقاء الكفوي، الكليات،بيروت، مؤسسة الرسالة،ط2،1998،ص506
[2] أبو يحي زكريا الأنصار، غاية الوصول في شرج لب الأصول، مصر ، مطبعة البابي الحلبي، ص23.
[3]المصدر السابق، ص23.
[4] حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، المجلد/5، ص303
[5] الماعون 5.
[6] أبو يحي زكريا الأنصار، غاية الوصول في شرج لب الأصول، ص23
[7]أبو البقاء الكفوي، الكليات ،المصدر السابق، ص576.
[8]المصدر السابق ص 23.
[9] حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، المجلد/12، ص125
[10] الكهف 63.
[11] الانعام 68.
[12] طه 115.
[13] البقرة 282.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق