الاثنين، 9 يوليو 2012

الصلاة (معناها ، وحكمها ، منزلتها ، عددها ، فضيلتها ، على مَن تَجِب)



معنى الصلاة:
الصلاة لغة: الدُّعاء، قال - تعالى -: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103].
وشرعًا: التعبُّد لله - تعالى - بأقوالٍ وأفعالٍ معلومة، مُفتتَحَة بالتكبير، مُختتَمَة بالتسليم.
حُكْمها:
الصلاة واجبةٌ بالكتاب والسنَّة والإجماع، والأدلَّة على ذلك كثيرةٌ، أذكر منها:
أولاً: من (الكتاب): قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
ثانيًا: من (السنة): عن ابن عمرَ - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصِيامِ رمضان، وحَجِّ البيت لمَن استطاع إليه سبيلاً))[1].
ثالثًا: (الإجماع): فقدْ أجمعتِ الأمَّةُ على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة، ووجوبُها مِن المعلوم من الدِّين بالضرورة.

منزلتها:
الصلاة مِن آكَد فرائض الإسلام، فهي تَلي الشهادتين؛ لذا لَمَّا أرْسَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاذًا إلى اليمن قال له: ((فلْيَكُن أوَّلَ ما تدعوهم إليه: شهادةُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنْ هم أجابوك لذلك، فأَعْلِمْهم أنَّ الله افترَض عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم والليلة... الحديث))[2].
وعلى هذا، فمَن أنكر وجوبَها كان كافرًا مرتدًّا، وهذا لا خلافَ فيه بين أهلِ العِلم، وإنَّما وقَع الخلافُ فيمَن ترَكها تكاسلاً، وهذا المتكاسِل إما أن يترُكَها تمامًا لا يُصلي أبدًا حتى يموت، وإمَّا أن يُصلِّي أحيانًا ويتركها أحيانًا، فالأوَّل يشمله حديث: ((العَهْدُ الذي بيننا وبينهُمُ الصلاة، فمَن تَرَكها فقدْ كفَر))[3]، ويشمله كذلك قولُ عبدالله بن شقيق: "كان أصحابُ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَرَوْن شيئًا من الأعمالِ تَرْكُه كفرٌ إلا الصلاة"[4].
وأما الثاني الذي يترُك أحيانًا ويُصلي أحيانًا، فلا يكون كافِرًا؛ لأنَّه ليس تاركًا بالكلية، بل هو لم يحافظْ عليها، فهو تحتَ الوعيد وإنْ لم يُحكَم عليه بالكُفْر[5].
قلت: ويَشْمله حديثُ عبادة بن الصامت الآتي.

عدد الصلوات المفروضة:
الصحيحُ الذي ذهَب إليه جمهورُ العلماء أنَّ الصلوات المفروضات خمس، وذهَب الحنفيةُ إلى وجوبِ الوتر أيضًا، والصحيحُ ما ذهَب إليه الجمهورُ؛ فعن أنس بن مالك، عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنهما - في حديثِ الإسراء، وفيه قولُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فَرَض الله على أُمَّتي خمسين صَلاة)) - فذكَر الحديث إلى أنْ قال -: ((فرجعتُ إلى ربي، فقال: هي خمسٌ وهي خمسون، ما يُبدَّل القولُ لدي))[6].
عن أبي مُحَيْريز عن المُخْدَجِي قال: جاء رجلٌ إلى عُبادةَ بن الصامت - رضي الله عنه - فقال: يا أبا الوليد، إنِّي سمعتُ أبا محمَّدٍ الأنصاريَّ يقول: الوتر واجبٌ، فقال عُبادة: كذَب أبو محمد؛ سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((خمسُ صلواتٍ افترضهنَّ الله على عِباده، فمَن جاء بهنَّ لم ينتقِصْ منهنَّ شيئًا؛ استخفافًا بحقِّهنَّ، فإنَّ الله جاعلٌ له يوم القيامة عَهْدًا أن يُدخِلَه الجنة، ومَن جاء بِهنَّ قدِ انتقصَ مِنهنَّ شيئًا؛ استخفافًا بحقِّهنَّ، لم يكُنْ له عندَ الله عهدٌ: إنْ شاء عذَّبه، وإنْ شاءَ غَفَر له))[7]، وعن طلحةَ بن عُبَيدالله - رضي الله عنه - أنَّ أعرابيًّا أتَى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، ماذا افترَض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: ((خمس صلواتٍ))، قال: فهل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا؛ إلاَّ أن تَطوَّع...)) الحديث[8].

وقوله: ((كذَب أبو محمد))؛ أي: أخطأ.

فضيلة الصلاة والترغيب في أدائها:
قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].

عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أرأيتُم لو أنَّ نَهرًا ببابِ أحدِكم يَغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مَرَّات؛ هل يَبْقَى مِن دَرنِهِ شيءٌ؟)) قالوا: لا يَبقَى من درنه شيء، قال: ((فذَلِك مَثَلُ الصلوات الخمس، يَمْحُو الله بهنَّ الخطايا))[9]، ومعنى (( الدَّرَن)): الوسَخ.

وعن أبي هُريرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الصَّلواتُ الخمس، والجُمُعة إلى الجُمُعة كفَّارةٌ لِمَا بينهنَّ ما لم تُغْشَ الكبائِر))[10].

وعن عمرو بن مُرَّة الجُهَني - رضي الله عنه - قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، أرأيتَ إنْ شهدتُ أن لا إله إلا الله وأنَّكَ رسولُ الله، وصليتُ الصلواتِ الخمس، وأديتُ الزكاة، وصُمتُ رمضان وقمتُه، فمِمَّن أنا؟ قال: ((مِن الصِّدِّيقين والشهداء))[11].

وعن عبدِالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنَّ رجلاً أتى رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأله عن أفضلِ الأعمال؟ فقال: ((الصَّلاة))، قال: ثُمَّ مَهْ؟ قال: ((الصلاة))، قال: ثم مَهْ؟ قال: ((ثُمَّ الصلاة))، قال: ثم مهْ؟ قال: ((ثُمَّ الجِهاد في سبيلِ الله))[12].

وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خرَج في الشتاء والوَرَق يتهافت، فقال: ((يا أبا ذر))، قلت: لبيكَ يا رسولَ الله، قال: ((إنَّ العبدَ المسلِمَ ليُصلِّي الصلاةَ يريد بها وجهَ الله، فتهافَتُ عنه ذنوبه كما يَتهافتُ هذا الورَقُ عن هذه الشَّجرة))[13].

وعن عُثمانَ بن عفَّان - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما مِن امرئٍ مسلِم تحضُرُه صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وُضوءَها وخشوعَها ورُكوعها، إلاَّ كانتْ كفَّارةً لما قَبْلها مِن الذُّنوب ما لم تُؤتَ كبيرة، وذلك الدَّهْرَ كلَّه))[14].

وعن عبدِالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه ذَكَر الصلاةَ يومًا، فقال: ((مَن حافَظَ عليها كانتْ له نُورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامة، ومَن لَمْ يُحافِظْ عليها لم يكن له برهانٌ ولا نورٌ ولا نجاة، وكان يومَ القيامة مع قارون وهامان وفرعونَ وأُبيِّ بن خَلَف))[15].

والأحاديثُ في فضْل الصلاةِ كثيرة، وفيما ذكرْناه كفايةٌ لمن وفَّقه الله وأعانَه.

على مَن تَجِب الصلاة:
تجِب الصلاةُ على المسلِم العاقِل البالِغ، ويُشترط في حقِّ المرأة الطهارةُ مِن الحيض والنفاس.

فأمَّا (الكافر) فلا تصحُّ منه الصلاة، سواء كان كافرًا أصليًّا أو مرتدًّا[16]؛ لأنه ليس من أهلِ العبادة، وقد تقدَّم في حديثِ معاذ - رضي الله عنه - عندما أرْسله رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى اليمن، قال له: ((فلْيكُنْ أولَ ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله، فإنْ هم أجابوك لذلك، فأَعْلِمْهم أنَّ الله افترَض عليهم خمسَ صلوات...)) الحديث.

وأما (المجنون والصبي فلا يجبُ عليهما الصلاةُ؛ لِمَا ثبَت في الحديث عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثة: عن المجنونِ حتى يُفِيق، وعن الصَّبيِّ حتى يحتلِمَ، وعن النائمِ حتى يستيقظَ))[17].

وأمَّا (الحائض والنُّفَساء)، فلِمَا ثبَت في الحديثِ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أليسَ إذا حاضَتْ لم تُصلِّ ولم تَصُمْ؟))[18].

تنبيهات وملاحظات:
(1) يُؤمَر الصبيُّ بالصلاة وهو ابنُ سَبْع سِنين، ويُضرَب عليها وهو ابنُ عشر؛ لِما ثبت في الحديث عن عمرِو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جَدِّه قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مُروا أولادَكم بالصلاةِ إذا بَلَغوا سبْعًا، واضْربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا، وفرِّقوا بينهم في المضاجِع))[19].

(2) إذا بلَغ الصبيُّ، أو أسْلَم الكافر، أو طهُرتِ الحائض والنفساء قبلَ خروج الوقتِ بمقدار رَكْعة، فإنَّه يجب عليهم أداءَ هذه الصلاة؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أَدْرَك رَكعةً مِن الصلاةِ، فقدْ أدْرَك الصلاةَ))[20].

وذهَب بعضُ أهل العِلم إلى أنَّه لو أدْرَك مقدارَ تكبيرةِ الإحرام لزمتْه هذه الصلاة، والراجِح ما تقدَّم؛ لظاهِرِ الحديث.

(3) لا يُؤمَر الكافِرُ إذا أسْلم بقضاءِ ما فاتَه قبلَ إسلامه؛ لأنَّ الإسلامَ يَجُبُّ - أي يَمْحو ويهدم - ما قبْلَه؛ ولأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يأمرْ أحدًا ممَّن أسلم بقضاءِ الصلوات، وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديث عبدالله بن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قُلْنا: يا رسولَ الله، أنُؤاخذ بما عمِلْنا في الجاهلية؟ قال: ((مَن أحْسَن في الإسلام لم يُؤاخَذْ بما عَمِل في الجاهلية، ومَن أساء في الإسلامِ أُخِذ بالأوَّل والآخِر))[21].

(4) قال ابن تيمية - رحمه الله -: "اعلم أنَّ الصلاة تَنهَى عن الفحشاء والمنكر، كما ذكر الله - تعالى - في كتابه، والعبدُ إذا لم تنهَهُ صلاتُه عن الفحشاء والمنكر دلَّ ذلك على تضييعِه لحقوقها، وأمَّا حديث: ((مَن لم تنهَهُ صلاتُه عن الفحشاءِ والمُنكر، لم يَزدَدْ مِن الله إلا بُعدًا))، فهو حديثٌ لا يصح، والصلاةُ لا تَزيد صاحبَها بُعدًا، بل الذي يُصلِّي أفضلَ مِن الذي لا يُصلِّي وأقربُ إلى الله منه، وإنْ كان فاسقًا"[22].




كتبه راجي عفو مولاه :-
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين






---------------------------------------------
[1] البخاري (8)، ومسلم (16)، والترمذي (2609)، والنسائي (8/ 107).
[2] البخاري (1458)، ومسلم (19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625)، والنسائي (5/ 2)، وابن ماجه (1783).
[3] صحيح: رواه الترمذي (2621)، وابن ماجه (1079).
[4] صحيح: الترمذي (2622)، والحاكم (1/ 48).
[5] انظر "مجموع الفتاوى" (22/ 48-49).
[6] البخاري (349)، ومسلم (163).
[7] صحيح: رواه أبو داود (425)، والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه (1401)، وهذا لفظُ ابن ماجه.
[8] البخاري (46)، ومسلم (11)، وأبو داود (391)، والنسائي (1/ 226).
[9] البخاري (528)، ومسلم (667)، واللفظ له، والترمذي (2868)، والنسائي (1/ 230).
[10] مسلم (233)، والترمذي (214)، وابن ماجه (1086).
[11] رواه ابن خزيمة (2212)، وابن حبان (3438)، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب" (361).
[12] حسن: رواه أحمد (2/ 172)، وابن حبان (1722).
[13] رواه أحمد (5/ 179) بإسنادٍ حسَن، وحسَّنه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (384).
[14] مسلم (228)، وأحمد (5/ 260)، وابن حبان (1044).
[15] صحيح: رواه أحمد (2/ 169)، والدارمي (2721)، والطحاوي (4/ 229)، وابن حبان (1467)، واللفظ له.
[16] "الكافر الأصلي" هو الذي لم يُدخُلْ في الإسلام بعدُ، وأما "المرتدُّ" فهو الذي أسْلم ثم كَفَر.
[17] صحيح: رواه أبو داود (4399)، والترمذي (1423)، وفي الباب عن عائشة نحوه رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (2041).
[18] البخاري (304)، ومسلم (79).
[19] حسن صحيح: رواه أبو داود (495)، وله شاهد من حديث عبدالملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده رواه أبو داود (494)، والترمذي (407).
[20] البخاري (580)، ومسلم (607)، وأبو داود (1121)، والترمذي (524)، والنسائي (1/ 274)، وابن ماجه (1122).
[21] البخاري (6921)، ومسلم (120)، وابن ماجه (4242)، وأحمد (1/ 409).
[22] مجموع الفتاوى (22/ 6).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق