الأربعاء، 11 يوليو 2012

صحة حديث ((إذا قُبِضَتْ نفسُ العبد؛ تلقَّاه أهل الرحمة من عباد الله))



السؤال
قرأتُ في كتاب "التذكرة، في أحوال الموتى وأمورالآخرة" للإمام القرطبي هذا الحديث: "عن ابن المبارك، عن أيوب الأنصاري - رضي الله عنه – قال: ((إذا قُبِضَتْ نفسُ العبد؛ تلقَّاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا، فيُقبلون عليه ليسألوه؛ فيقول بعضهم لبعض: أَنْظِروا أخاكم حتَّى يستريح؛ فإنَّه كان في كرب؛ فيُقْبِلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة، هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله، قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمِّه الهاوية؛ فبئست الأم وبئست المربية، قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأَوا حسنًا، فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتَمَّها، وإن رأوا سوءًا قالوا: اللهم راجع بعبدك))".
فما درجة صحة هذا الحديث بارك الله فيكم؟
الجواب:- 

يجيب علي هذا السؤال :
"عمر بن محمد عمر عبدالرحمن"
شيخ الحديث بمعهدي الدعوة الإسلامية ، وإعداد الدعاة
وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛ فقد رُوي هذا الحديث عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه - مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصحُّ، لكن معناه لا يُقال من جهة الرأي.

والحديث أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (443)، قال: أخبرنا ثور بن يزيد، عن أبي رهم السماعي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: ((إذا قُبِضَتْ نفسُ العبد؛ تلقَّاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا، فيُقبلون عليه ليسألوه؛ فيقول بعضهم لبعض: أَنْظِروا أخاكم حتَّى يستريح؛ فإنَّه كان في كرب؛ فيُقْبِلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة، هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله، قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمِّه الهاوية؛ فبئست الأم وبئست المربية، قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأَوا حسنًا، فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتَمَّها، وإن رأوا سوءًا قالوا: اللهم راجع بعبدك)).

ومن طريق ابن المبارك، أخرجه ابن أبي الدنيا في "المنامات" حديث (3).

وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/301)، من طريق محمد بن عيسى بن سميع، عن ثور بن يزيد، به.

قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (4456): "رواه ابن المبارك في الزهد موقوفًا على أبي أيوب بإسناد جيد".

وأخرجه ابن صاعد في "زوائد الزهد لابن المبارك" (444)، والدينوري في "المجالسة" (2095)، وابن عدي في "الكامل" (3/301) من طريق أسد بن موسى، عن سلام الطويل، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي رهم، عن أبي أيوب، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنَّ المؤمن إذا مات بلغته الرحمة من عباد الله - عزَّ وجلَّ - كما يتلقى البشرى في دار الدنيا، فيقبلون عليه يسألونه فيقولون: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة، هل تزوجت؟ فإن سألوه عن إنسان قد مات يقول: هيهات! هيهات! هلك ذاك قبلي، فيقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، يُسلك به إلى أمِّه الهاوية؛ فبئست الأمُّ وبئست المربية، قال: وتعرض على الموتى أعمالُكم، فإنْ رأوا خيرًا استبشروا، وقالوا: اللَّهم هذه نعمتك، فأتْمِمْها على عبدك، وإن رأوا سيِّئة قالوا: راجع عبدَك، فلا تخزوا موتاكم بالعمل السيء؛ فإنَّ أعمالكم تعرض عليهم)).

وعلَّقه ابن حبان في "المجروحين" (1/339 –340) عن أسد بن موسى به.

قال ابن عدي: "وهذا الحديث جاء توصيله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية سلام عن ثور بن يزيد؛ ألا ترى أنَّ ابن سميع رواه عن ثور، فأسقط من الإسناد خالد، وأوقفه ولم يرفعه، ولسلام أحاديث صالحة غير ما ذكرته، وعامَّة ما يرويه عن من يرويه - عن الضعفاء والثِّقات - لا يتابعه أحد عليه".

ومن طريق ابن عدي أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1522)، وقال: "هذا حديث لا يصِحُّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلام هو الطويل، وقد أجمعوا على تضعيفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك".

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (4/ رقم 3887، 3888)، وفي "الأوسط" (148)، وفي "مسند الشاميين" (1544، 3584) من طريق مسلمة بن علي، عن زيد بن واقد وهشام بن الغاز، عن مكحول، عن عبدالرحمن بن سلامة، عن أبي رهم السماعي، عن أبي أيوب الأنصاري: أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ نفس المؤمن إذا قبضت، تلَقَّاها أهل الرحمة من عباد الله، كما تلقَون البشير من أهلِ الدنيا، فيقولون: أنْظِروا صاحبكم يستريح؛ فإنَّه في كرب شديد، ثم يسألونه ما فعل فلان؟ وماذا فعلت فلانة، هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قَبْله، فيقول: هيهات! قد مات ذاك قبلي، فيقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمِّه الهاوية؛ بئست الأم، وبئست المربِّية، وقال: إنَّ أعمالكم تُعْرَض على أقاربكم، وعشائركم من أهل الآخرة، فإنْ كان خيرًا، فرحوا واستبشروا، وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك، فأتْمِمْ نعمتك عليه، وأَمِتْه عليها، ويعرض عليهم عمل المسيء، فيقولون: اللهم ألهمه عملاً صالحًا، ترضى به وتقربه إليك)).

وسنده ضعيف جدًّا؛ مسلمة بن علي: هو الخشني متروك، كما في "التقريب"، وعبد الرحمن بن سلامة: لم نقف له على ترجمة، وكذا قال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" الحديث رقم (2758).

وأخرجه ابن أبي الدنيا وغيره - كما في "أهوال القبور" لابن رجب (ص48-49) - من طريق معاوية بن يحيى - وفيه ضعف - عن عبدالرحمن بن سلامة: أن أبا رهم السمعي حدَّثه: أنَّ أبا أيوب الأنصاري حدثه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ نفس المؤمن إذا قبضت، تلقَّاها أهلُ الرحمة من عند الله، كما يتلقَّى البشير في الدنيا، فيقولون: أنظِروا أخاكم حتَّى يستريح؛ فإنه كان في كرب شديد، فيسألونه ما فعل فلان؟ وما فعلت فلانة، وهل تزوجت؟ فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال: مات قبلي، قالوا: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذُهِبَ به إلى أمِّه الهاوية؛ فبئست الأم وبئست المربية)).

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (4/ رقم 3889)، من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش، عن أبيه، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد قال: كان عبدالرحمن بن سلامة يحدث: أنَّ أبا رهم حدثهم: أنَّ أبا أيوب حدثهم: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((إنَّ نفس المؤمن إذا مات، يتلقَّاها أهل الرحمة من عباد الله، كما يتلقون البشير في الدنيا، فيقولون: أنظروا صاحبكم يَسْتريح؛ فإنَّه كان في كرب شديد، ثُمَّ يسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة، هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن أحد قد مات قبله قال: هيهات! قد مات ذاك قبلي، فيقولون: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذُهِبَ به إلى أمِّه الهاوية؛ فبئست الأم وبئست المربية)).

وهذا سند ضعيف؛ محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: "لم يكن بذاك"، وقال أبو حاتم: "لم يسمع من أبيه شيئًا، حملوه على أنْ يُحدث عنه فحدَّث"؛ انظر: "الجرح والتعديل" (7/189)، و"تهذيب الكمال" (24/484).

وضمضم بن زرعة، وإن كان من أهل حمص، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحمصيين – مقبولة؛ إلاَّ أنَّ ضمضمًا نفسَه مُختلَف فيه؛ وثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: "ضعيف".

هذا بالإضافة لوجود عبدالرحمن بن سلامة الذي لم نقف على ترجمته؛ كما سبق التنبيه عليه، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق