الأربعاء، 11 يوليو 2012

عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة



الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد اختَلف الفقهاءُ في عورة المرأة بالنسبة للمرأة المسلمة، وحُكم نظر كلٍّ منهما للأخرى على قولين:
الأول: مذهب جمهورِ الفُقهاء: أن عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة، كعورة الرجل إلى الرجل، وهي بين السُّرة والركبة؛ فيَحرُم النظرُ إليها، ويجوزُ لها النظرُ إلى جميع بدنها، عدا ما بين هذين العضوين، وهذا القول هو الراجح عند الحنفيَّة، وهو قول المالكيَّة - في المشهور، والشافعيَّةِ في - المعتمد - والحنابلةِ؛ احتجوا بما رواه مسلمٌ عن أبي سعيد الخدري عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا ينظر الرجلُ إلى عورةِ الرجل، ولا المرأةُ إلى عورةِ المرأة، ولا يُفضِي الرجلُ إلى الرجلِ في ثوبٍ واحد، ولا تُفضِي المرأةُ إلى المرأةِ في الثوبِ الواحد))، قالوا: وقد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - عورةَ الرجل بالنسبة للرجل، فدلَّ على أنَّ عورة المرأة مع المرأة مثله؛ لاتِّحاد الجنس، فقاسُوا نَظَر المرأةِ لعورة المرأة عَلَى نَظَر الرجلِ إلى الرجلِ؛ بجامعِ اتِّحاد الجنس، وعدمِ الخوف من الشهوة، والوقوعِ في الفتنة، وبأن الشرع أباح للنِّساء المسلمات تجريدَ المرأة التي تموت؛ لغُسلها، ولم يَجعلْ ذلك للرجال، وإن كانوا مِن محارمها.

مذهب الحنفيَّة:
قال في "بدائع الصنائع" (6/2961):
"الثالث: وهو بيان ما يَحلُّ من ذلك، وما يَحرُم للمرأة من المرأة؛ فكل ما يَحلُّ للرجل أن ينظر إليه من الرجل، يَحلُّ للمرأة أن تنظر إليه من المرأة، وكل ما لا يحل له، لا يحل لها، فتنظر المرأة من المرأة إلى سائر جسدها، إلَّا ما بين السُّرَّة والركبة؛ لأنه ليس في نظر المرأة إلى المرأة خوفُ الشهوة والوقوع في الفتنة؛ كما ليس ذلك في نظر الرجل إلى الرجل، حتى لو خافتْ ذلك تجتنب عن النظر كما في الرجل، ولا يجوز لها أن تنظرَ ما بين سرتها إلى الركبة، إلَّا عند الضرورة؛ بأن كانتْ قابلةً، فلا بأس لها أن تنظرَ إلى الفرج عند الولادة، وكذا لا بأس أن تنظرَ إليه؛ لمعرفة البكارة في امرأة العنين، والجارية المشتراة على شرط البكارة، إذا اختصما، وكذا إذا كان بها جرحٌ، أو قرحٌ في موضعٍ لا يحلُّ للرجال النظر إليه، فلا بأس أن تداويها؛ إذا علمت المداواة"؛ ومثله في تبيين الحقائق: (6/ 18)، والمبسوط: (10/ 147).

مذهب المالكيَّة:
قال في "مواهب الجليل" (1/ 498، 499):
"(وهي من رجلٍ وأمةٍ - وإن بشائبةٍ - وحرةٍ مع امرأةٍ، بين سرةٍ وركبةٍ)؛... وأما حُكمها - أي: المرأة مع النساء - فالمشهور: أنها كحُكم الرجل مع الرجل؛ أن الفخذ كله عورةٌ، وقد صرَّح به الفاكهاني في "شرح الرسالة" في باب ما يفعل بالمحتضر - عند قوله: والمرأة تموت في السفر -: قال: فرع منع الأب والابن من تجريد البنت والأم، وجعل للنساء تجريد المرأة للغسل؛ ففي ذلك دليلٌ على أن عورة المرأة في حقِّ المرأة كعورة الرجل في حق الرجل، وهو من السُّرَّة إلى الركبة فقط"؛ انتهى.
وصرَّح به - أيضًا - صاحب المدخل؛ ونصُّه - في فصل لباس الصلاة -: "وحكم المرأة مع المرأة - على المشهور - كحكم الرجل مع الرجل، وحكمهما: أن من السرة إلى الركبة لا يكشفه أحدهما للآخر، بخلاف سائر البدن"؛ انتهى.
وقال فيه - أيضًا -: "إذا لبست السراويل تحت السرة، فتكون قد ارتكبت النهي فيما بين السرة إلى حد السراويل". انتهى.
والذي اختاره ابن القَطَّان تحريم النظَر إلى الفخذ، وأما تمكين من يدلك، فذلك حرامٌ؛ نَصَّ عليه في المدخل - في دخول الحمام - فإنه عدَّ مِن شُرُوط جواز دخوله أنه لا يمكن دلاكًا يدلك له فخذيه.

مذهب الشافعيَّة:
قال في "شرح البهجة الورديَّة" (3/ 461):
"(عورة الحرة)؛ أي: في الصلاة؛ قال - في الروضة -: قال المزَني: ليس القدمان بعورة، وقيل: ليس باطن قدميها عورةً، وعند النساء الكافرات ما لا يبدو عند المهنة، وعند النِّساء المسلمات ورجال المحارم ما بين السُّرَّة والركبة، وعند الرجال الأجانب جميع بدنها، وفي الخلوة كالمحارم، وقيل: كالرجل"؛ اهـ.

قال في "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج" (3/ 130):
"(والمرأة مع امرأة كرجل ورجل)؛ الشرح:
(والمرأة) البالغة؛ حكمُها (مع امرأةٍ) مثلها في النظر (كرجل)؛ أي: كنظر رجلٍ (ورجل) فيما سبق، فيجوز مع الأمن ما عدا ما بين السرة والركبة، ويَحرُم مع الشهوة وخوف الفِتنة"؛ اهـ.

مذهب الحنابلة:
قال في "المغني" (7/ 105):
"وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء، ولا فَرْق بين المسلمتين، وبين المسلمة والذميَّة، كما لا فرق بين الرجلين المسلمين، وبين المسلم والذمي، في النظر"؛ اهـ.

وقال المرداوي في "الإنصاف" (8/24):
"قوله: (وللمرأة مع المرأة، والرجل مع الرجل: النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة)؛ يجوز للمرأة المسلمة النظر من المرأة المسلمة إلى ما عدا ما بين السرة والركبة؛ جزم به في "الهداية"، و"المذهب"، و"المستوعب"، و"الخلاصة"، والمصنف - هنا - وصاحب "الرعاية الصغرى"، و"الحاوي الصغير"، و"الوجيز"، و"شرح ابن منجا"، وغيرهم، وقدمه في "الرعاية الكبرى"، والصحيح من المذهب: أنها لا تنظر منها إلا إلى غير العورة، وجزم به في "المحرر"، و"النظم"، و"الفروع"، و"الفائق"، و"المنور"، ولعل من قطع - أولًا - أراد هذا، لكن صاحب "الرعاية" غايَر بين القولين، وهو الظاهر"؛ اهـ.
القول الثاني: أن المرأة المسلمة يَحلُّ لها أن تنظر من المرأة إلى ما يحل للرجل أن ينظر إليه من ذوات محارمه؛ فلا يباح له النظر إلى ظهرها وبطنها؛ وإنما ينظر "إلى الوجه، والرأس، والصدر، والساقين، والعضدين، ولا ينظر إلى ظهرها، وبطنها، وفخذها...، والمراد - والله أعلم - مواضع الزينة؛ وهي ما ذكر في الكتاب، ويدخل في ذلك الساعد، والأذن، والعنق، والقدم؛ لأن كل ذلك موضع الزينة، بخلاف الظهر، والبطن، والفخذ؛ لأنها ليست من مواضع الزينة"؛ كما في "الهداية" مع تكملة "فتح القدير" (8/103، 104)؛ وهذا القول روايةٌ عن أبي حنيفة، وقولٌ مرجوحٌ عند الحنفية، والراجح - عندهم - ما قدمناه.
واستدل بما رواه أبو داود عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتًا يقال لها: الحمامات؛ فلا يدخلنها الرجال، إلا بالأزر، وامنعوها النساء، إلا مريضةً أو نفساء)).

قال السرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (10/ 147):
"وقد قال بعض الناس: نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى ذوات محارمه؛ حتى لا يباح لها النظر إلى ظهرها، وبطنها؛ لحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى النساء من دخول الحمامات بمئزرٍ، وبغير مئزرٍ، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: امنعوا النساء من دخول الحمامات، إلا مريضةً أو نفساء، ولتدخل مستترةً، ولكنا نقول: المراد: منع النساء من الخروج، وبالقرار في البيوت، وبه نقول، والعرف الظاهر في جميع البلدان ببناء الحمامات للنساء، وتمكينهن من دخول الحمامات دليلٌ على صحة ما قلنا، وحاجة النساء إلى دخول الحمامات فوق حاجة الرجال؛ لأن المقصود تحصيل الزينة، والمرأة إلى هذا أحوجُ من الرجل، ويتمكن الرجل من الاغتسال في الأنهار والحياض، والمرأة لا تتمكن من ذلك"؛ اهـ.

وقال في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (6/ 18):
"وعن أبي حنيفة - رحمه الله - أن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل إلى محارمه؛ فلا يجوز لها أن تنظر من المرأة إلى الظهر، والبطن - في هذه الرواية - بخلاف نظرها إلى الرجل؛ لأنَّ الرِّجال يحتاجون إلى زيادة الانكشاف، وفي الرواية الأولى يجوز، وهي الأصحُّ، وما جاز للرجل أن ينظر إليه من الرجل، جاز مسه؛ لأنه ليس بعورةٍ، ولا يخاف منه الفتنة"؛ اهـ.

وكتبه راجي عفو مولاه :-
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق