مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية
يقول السائل: يُكتب على عبوات اللحوم والدواجن المستوردة كلمةُ"حلال"أو"مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية"فهل يكفي ذلك لحل تناولها،أفيدونا؟الجواب:كثرت في أيامنا هذه الأمور المشتبهات في مجال الطعام والشراب وغيرهما،والواجب على المسلم أن يتحرى عما يأكل ويشرب قدر الوسع والطاقة،
قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}سورة التغابن الآية 16،
وورد عن الحسن رضي الله عنه قال:حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)رواه الترمذي وقال:حسن صحيح،وصححه العلامة الألباني.
فمن شكَّ في شيءٍ من الطعام أو الشراب،أحلالٌ أم حرامٌ؟ فليتركه تورعاً ويبني أمره على اليقين البحت والتحقيق الصرف،ويكون على بصيرة في دينه،لأن ترك ما يشك فيه أصلٌ عظيمٌ في الورع.انظر فتح الباري4/293.
ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم:(الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّنٌ وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس،فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه،ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام،كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه،ألا وإن لكل ملكٍ حِمى،ألا وإن حمى الله محارمه،ألا وإن في الجسد مضغة،إذا صلحت صلح الجسد كله،وإذا فسدت فسد الجسد كله،ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم.
ففي هذا الحديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأحكام ثلاثة أقسام: الحلال وهو بيِّن،والحرام وهو بينِّ،والثالث:وهو المشتبه به لخفائه فلا يدري المكلفُ هل هو حلالٌ أو حرامٌ؟وما كان هذا سبيلُه ينبغي اجتنابُه،لأنه إن كان في نفس الأمر حراماً،فقد بريء من تبعته،وإن كان حلالاً،فقد أُجر على تركه بهذا القصد.انظر شرح النووي على صحيح مسلم 11/27.
وينبغي أن يُعلم أن الذكاة الشرعية (الذبح على الطريقة الإسلامية) فريضةٌ شرعيةٌ لا يحل الحيوان الذي اشتُرطت فيه التذكيةُ إلا بها،بلا خلافٍ بين العلماء؛يقول تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}سورة المائدة الآية 3،وما لم يُذَكَ فهو ميتة،ولقوله تعالى:{وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}سورة الأنعام الآية121،ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ما أنهر الدمَ وذُكر اسمُ الله عليه فكلوا) رواه البخاري.
ويجب أن يُعلم [أن قضية الذبح ليست من القضايا العادية التي لا تتقيد بأحكام مثل طرائق الطبخ،وإنما هي من الأمور التعبدية التي تخضع لأحكام مشروعة في الكتاب والسنة،بل هي من شعائر الدين وعلاماته التي تميز المسلم من غيره،حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا،وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله) رواه البخاري]مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد العاشر.
فالذكاة الشرعية سببٌ لإباحة أكل لحم الحيوان المباح،والذي من شأنه أن يُذكى،[والحكمة في اشتراط التذكية أن الحرمة في الحيوان المأكول لمكان الدم المسفوح،ولا يزول إلا بالذبح أو النحر،وأن الشرع إنما ورد بإحلال الطيبات خاصة قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}سورة المائدة الآية4،وقال تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} سورة الأعراف الآية157. ولا يطيب إلا بخروج الدم وذلك بالذبح أو النحر،ولهذا حُرمت الميتة؛لأن المحرم وهو الدم المسفوح فيها قائم،ولذا لا يطيب مع قيامه،ولهذا يفسد في أدنى مدةٍ لا يفسد في مثلها المذبوح،وكذا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكلَ السبُع إذا لم تدرك حيةً،فتذبح أو تنحر، ومن الحكمة أيضا التنفير عن الشرك وأعمال المشركين،وتمييز مأكول الآدمي عن مأكول السباع،وأن يتذكر الإنسان إكرام الله له بإباحة إزهاق روح الحيوان لأكله والانتفاع به بعد موته]الموسوعة الفقهية الكويتية21/177.
والذكاة الشرعية لها عدة شروط وهي:
(1)أن يكون الذابح عاقلاً مميزاً،مسلماً أو كتابياً
(2)أن يقصد التذكية فالنيةُ شرطٌ في صحة الذبح
(3)التسمية عند الذبـح
(4)قطع الحلقوم والمريء والودجين
(5)الذبح بآلة حادة.
وهنالك تفصيل في هذه الشروط مبينة في كتب الفقه.
إذا تقرر هذا فإن جمهور أهل العلم يرون أن الأصل في الذبائح واللحوم التحريم، أي أنه إذا حصل شكٌ في صحة ذبح الحيوان المباح، هل ذُبح بطريقةٍ شرعيةٍ أم لم يذبح؟فالأصلُ حرمةُ تناوله حتى يثبت أنه ذُبح ذبحاً شرعياً،ويترتب على ذلك تحريم كل لحمٍ لم نتحقق من تذكيته شرعاً إما قطعاً أو ظناً. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أرسلتَ كلبكَ وسمََّيتَ فأمسَكَ وقتلَ فكُلْ،وإن أكلَ فلا تأكلْ؛فإنما أمسكَ على نفسه،وإذا خالطَ كلاباً لم يُذكر اسمُ الله عليها فأمسكنَ وقتلنَ فلا تأكلْ؛فإنك لا تدري أيها قتلْ،وإن رميتَ الصَّيدَ فوجدته بعد يومٍ أو يومينِ ليس به إلا أَثر سهمكَ فكُلْ،وإن وقعَ في الماءِ فلا تأكُلْ) رواه البخاري،وفي رواية عند مسلم:(وإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل فلا تأكل،فإنك لا تدري أيهما قتله). قال الإمام النووي عند شرح الحديث:[فيه بيان قاعدةٍ مهمةٍ وهي أنه إذا حصل الشكُّ في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل؛لأن الأصل تحريمه،وهذا لا خلاف فيه]شرح النووي على صحيح مسلم13/116.
وقال الخطابي:[البهيمةُ أصلها على التحريم حتى تتيقن وقوع الذكاة؛فهي لا تُستباح بالأمر المشكوك]معالم السنن4/282.
وقال ابن العربي المالكي:[قال علماؤنا:الأصل في الحيوان التحريم،لا يحل إلا بالذكاة والصيد؛فإذا ورد الشكُّ في الصائد والذابح بقي على أصل التحريم]أحكام القرآن2/35.
وقال الإمام الشاطبي:[فالأصل في الأبضاع-الفروج-المنعُ إلا بالأسباب المشروعة،والحيوانات الأصلُ في أكلها المنعُ حتى تحصل الذكاة المشروعة]الموافقات1/401.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[الأصل الحظر،والحلُ موقوفٌ على شرط وهو التذكية مِن هو مِن أهل الذكاة أو صيده]المغني13/18.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ولا تحل الفروج والذبائح بالشبهات]مجموع الفتاوى32/190.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً:[كما أن اللحوم قبل التذكية حرام،فلا تباح إلا بما أباحه الله من التذكية]الفتاوى الكبرى3/314.
وقال العلامة ابن القيم:[ثم النوع الثاني:استصحاب الوصف المُثبِت للحُكم،حتى يثبت خلافه،وهو حجة،كاستصحاب حكم الطهارة،وحكم الحدث،واستصحاب بقاء النكاح،وبقاء المِلك،وشغل الذمة بما تشغل به،حتى يثبت خلاف ذلك، وقد دل الشارع على تعليق الحكم به في قوله في الصيد (وإن وجدته غريقاً فلا تأكله؛فإنك لا تدري الماءُ قتله أو سهمُك)وقوله (وإن خالطها كلابٌ من غيرها فلا تأكل؛فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسمِّ على غيره لما كان الأصل في الذبائح التحريم،وشك هل وجد الشرط المبيح أم لا؟بقي الصيد على أصله في التحريم]إعلام الموقعين1/339-340.
وقال العلامة ابن القيم أيضاً:[إن باب الذبائح على التحريم إلا ما أباحه الله ورسوله،فلو قدِّرَ تعارض دليلي الحظر والإباحة،لكان العمل بدليل الحظر أولى لثلاثة أوجه:أحدها:تأييده الأصل الحاظر.الثاني:أنه أحوط.الثالث:أن الدليلين إذا تعارضا تساقطا ورجعا إلى أصل التحريم]أحكام أهل الذمة 1/538-539.
وقال الشيخ محمد العثيمين:[الأصل في الذبائح والذكاة التحريم حتى نعلم كيف وقع الذبح،وكيف وقعت الذكاة،وذلك لأن من شروط الحل أنه ذُكي أو ذُبح على وجه شرعي]فتاوى الصيد ص26-27.
وينبغي أن يُعلم أن الذبائح أو اللحوم [لا تدخل في قاعدة:أن الأصل في المنافع الحل،لأن ذلك مشروطٌ بعدم دليلٍ شرعيٍ بشأنها،والذبائح جاءت أحكامُها مُفصلةً بنصوص الشارع،ولم يحللها إلا بشروطٍ معلومةٍ كما ذكرنا،ومن تطبيقات هذا الأصل:أنه إذا اجتمع في الذبيحة سببان:محرمٌ ومبيحٌ،غلب التحريم،فلو رمى شخصٌ صيداً فوقع في ماءٍ،فشك الرامي في أمر ذلك الصيد،هل مات بالجرح أو بالماء؟لم يحل له أكلُه،لأن الأصل تحريمه وقد شكَّ في السبب المبيح،وكذلك لو خالط كلبُه كلاباً أُخر ولم يدر أصاده كلبُه أو كلبُ غيره،لم يحل له أكله للسبب المذكور،ولقوله صلى الله عليه وسلم:(إنك إنما سميت على كلبك ولم تسمِّ على غيره)فلا يزول يقين التحريم بالشك]قاعدة اليقين لا يزول بالشك ص121-122.
وبناءً عل ما سبق فإن كتابة كلمة"حلال"أو"مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية"على عبوات اللحوم والدواجن المستوردة من الدول الأجنبية،لا تكفي لحل تناولها،لأنه بات من المعلوم أن البلدان المصدرة للحوم والدواجن كالدول الأوروبية وأمريكا والبرازيل وأستراليا وغيرها لا تلتزم بطريقة الذبح وشروطها الشرعية،حيث يغلب على ذلك الصعقُ بالكهرباء أو الضربُ بآلةٍ ثقيلةٍ،فلا تخرج ذبائحهم عن كونها إما موقوذةً أو منخنقةً.
يقول د.محمد البرازي رئيس الرابطة الإسلامية في الدانمارك، وعضـو مجمع فقهاء الشـريعة-في بحثٍ قدَّمه إلى مؤتمر الخليج الأول لصناعة الحلال وخدماته الذي نظمته وزارة الأوقاف الكويتية ومعهد الكويت للأبحاث العلمية وهيئة التقييس لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سنة2011م-ما نصه:[ولتدويخ الحيوانات تستعمل بكثرةٍ إحدى الطرق التالية،وهي:التدويخ بالكهرباء.التدويخ باستعمال ثاني أكسيد الكربون كمخدر.الصعق بالمسدس الواقذ ذو الطلقة المسترجعة.الصعق بالمسدس الصادم.الصعق بواسطة المغطس المائي المكهرب] . ثم قال في آخر بحثه:[وأحب أن أؤكد-والأسى يعتصرُ قلبي-أن المراكز الإسلامية في الدول المصـدِّرة لا تقوم بواجبها الشرعي في الإشراف الفعلي على ما يُذبح،وتكتفي بالتوقيع على شـهادات الذبح التي وضعتها في حوزة هذه المجازر،ويعود ذلك للأسباب التالية:أ.اعتماد هذه المراكز على توقيع الذبَّاح الذي يتقاضى راتبه من هذه المجازر ويعمل لديها،ولو رفض التوقيع على شهادات الذبح الحلال والتي سيختمها المركز بخاتمه بعد وصولها إليه فإنه معرضٌ للفصل من العمل.ب.المسافات البعيدة بين المراكز الإسلامية والمذابح،وعدم تكليف مسلمٍ موثوقٍ بدينه من طرفها لقاء أجرٍ معلومٍ للقيام بهذه المهمة.ج.النفقات المالية التي لا ترغب هذه المراكز في إنفاقها على هذه المهمة مما تتقاضــاه من رســوم.د.اعتماد هذه المراكز على فتاوى بعض المتسـاهلين الذين يقبلون الصــعق والتدويخ ولا يعلمون ما يترتب عليهما من مساوئ.والمقلق في هذا الموضوع أيضاً،بل الأدهى والأمر أن المراكز الإسلامية قد زودت تلك المجازر بشهادات الإشراف على الذبائح،وتقوم تلك المجازر بملئها،وتوقيعها من الذبَّاح الموظف لديها،ثم ترسلها إلى تلك المراكز الإســلامية المتفقة معها لتوقيعها وختمها بخاتمها على أن تلك الصفقات المذكورة في تلك الشهادات الممهورة بخاتم المركز الإسلامي قد ذُبحت بإشرافه طبقاً للشريعة الإسلامية!!!ويتم ذلك كله طمعاً في رسوم يأخذونها دون التزام بما ائتمنوا عليه.فهل رأيتم عبثاً واسـتهتاراً تساهم فيه بعض المراكز الإسـلامية ومن خلفها الجهات المصدرة والمستوردة أكبر من هذا العبث والاستهتار؟!!]
وبهذا يتضح جلياً أن الذبائح المستوردة لا يُعلم حالُها ولا حالُ الذابح لها في الغالب،وما جُهل حالُه لا يحل،بل يحرم.ويضاف لذلك أن المستورد هو من يطلب وضع كلمة"حلال"أو"مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية"على عبوات اللحوم والدواجن المستوردة.انظر أبحاث هيئة كبار العلماء 2/597-601.
وخلاصة الأمر أن الذكاة الشرعية (الذبح على الطريقة الإسلامية) فريضةٌ شرعيةٌ لا يحل الحيوان الذي اشتُرطت فيه التذكية إلا بها،بلا خلافٍ بين العلماء،ولا يحل للمسلم أن يأكل اللحوم التي لم تُذكى بطريقةٍ شرعيةٍ صحيحةٍ،لأن الأصل في الذبائح واللحوم التحريم،ويترتب على ذلك تحريمُ كل لحمٍ لم نتحقق من تذكيته شرعاً إما قطعاً أو ظناً.وأن كتابة كلمة"حلال"أو"مذبوحٌ على الطريقة الإسلامية"على عبوات اللحوم والدواجن المستوردة من الدول الأجنبية،لا تكفي لحل تناولها،لأنه بات من المعلوم أن البلدان الأجنبية المصدرة للحوم والدواجن لا تلتزم بطريقة الذبح وشروطها الشرعية،حيث يغلب على ذلك الصعق بالكهرباء أو الضرب بآلةٍ ثقيلةٍ،فلا تخرج ذبائحهم عن كونها إما موقوذةً أو منخنقةً،وإن الواجب الشرعي على مستوردي اللحوم والدواجن أن يتقوا الله فيما يستوردون،وأن لا يستوردوا إلا ما كان حلالاً بشروطه الشرعية،وعلى الجهات الرقابية أن تتأكد من صحة المعلومات المذكورة على العبوات،وعلى الناس أن يتحروا عما يأكلون ويشربون حسب الوسع والطاقة،فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه،ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. والله الهادي إلى سواء السبيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق