لا تكونوا من المتكلفين
لقد نهى الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - عن سلوك سبيل التكلف وأهله، فقال - عز وجل -: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُتَكَلِّفِينَ } [ص: ٦٨]، وهذا التركيب - كما قال ابن عاشور -: «أشد في نفي التكلف من أن يقول: ما أنا بمتكلف». ؛ فكان كما وصفه صاحبه وابن عمه عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: «يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير»[1].
وهديه العملي
- صلى الله عليه وسلم - مليء بالشواهد على هذا المعنى: في حديثه، وطعامه وشرابه
ولباسه، وتعامله مع خاصة أصحابه وعامتهم.
بل إنه - صلى
الله عليه وسلم - يبيِّن ذلك لمن يجهل حاله؛ فقد جاء رجل من أصحابه حديثُ اللقاء
به فهابه، فهوَّن - صلى الله عليه وسلم - عليه الأمر مخبراً عن نفسه بأنه ليس من
أهل التكلف. عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال : أتى النبي - صلى الله
عليه وسلم - رجلٌ فكلمه، فجعل تُرْعَد فرائصه، فقال له : «هَوِّن عليك؛ فإني لست
بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد»[2].
وقال - صلى
الله عليه وسلم - «إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد»[3].
وكما التزم -
صلى الله عليه وسلم - هذا الهدي في نفسه فقد ربَّـى أصحــابه عليـه ونهـاهم عـن
التكلـف ؛ فعــن أنـس - رضـي الله عنه - قال: كنا عند عمر، فقال: «نُهِينَا عن
التكلف»[4].
وأثنى - صلى
الله عليه وسلم - على من يتواضعون ويتبسطون في حياتهم وتعاملهم مع الناس، فقال:
«حُرِّم على النار كل هيِّن ليِّن سهل، قريب من الناس»[5].
ولئن كان
الأكابر ربما يجدون في أنفسهم ما قد يحفِّزهم على الترفع فكيف بأمثالنا الذين
جمعوا بين الضعف في أنفسهم والتكلف وإضفاء الهالة على حياتهم وتعاملهم؟ وحين يكون
الأمر في دائرة التقصير والزلل يَسْهُل علاجه، لكن حين نسعى إلى تأصيله، والبحث عن
تبريره، واعتقاد أن هذا هو ما يليق بنا فالأمر يزداد سوءاً. إن المربين والدعاة
وأهل الشأن أحوج ما يكونون إلى الرجوع إلى هديه - صلى الله عليه وسلم - والتأمل
فيه، والتأسي بأحواله؛ فهذا من خير ما يربون عليه أتباعهم وطلابهم. وما لم يرَ
الناس منهم هذا الهدي في حياتهم وواقعهم فسيبقى تأثير دعوتهم ومقولاتهم باهتاً.
رزقنا الله التواضع، ومعرفة قدر أنفسنا، وجعلنا من أتباع نبيه - صلى الله عليه
وسلم -.
د. محمد بن عبدالله الدويش
ــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه البيهقي في الشُّعَب: (7843)، والطبراني في الكبير:
(12494)، وقال في المجمع: إسناده جيد.
[2] أخرجه ابن ماجه: (3312).
[3] أخرجه أبو يعلى في مسنده: (4920).
[4] أخرجه البخاري: (7293).
[2] أخرجه ابن ماجه: (3312).
[3] أخرجه أبو يعلى في مسنده: (4920).
[4] أخرجه البخاري: (7293).
[5] أخرجه أحمد: (3928)،
والترمذي: (2488).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق