الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده ... وبعد :
أولاً: لم يصح حديث في تعيين فضل معين للاستغفار للمؤمنين والمؤمنات
، وما ورد في ذلك لا يثبت ، وفي أسانيدها ضعف وفي متونها نكارة، إذ فيها مبالغة في
الأجر لا تتناسب مع العمل، وهذه هي الأحاديث الواردة في ذلك :-
1-
عن عبادة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة
حسنة )) رواه الطبراني في "مسند الشاميين" (3/234) من طريق بكر بن خنيس
عن عتبة بن حميد عن عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عن عبادة بن الصامت .
وعيسى بن سنان : ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن معين
في رواية. وانظر "تهذيب التهذيب" (8/212) .
وعتبة بن حميد : قال فيه أحمد : ضعيف ليس بالقوي . وقال أبو حاتم :
صالح الحديث .
وأما بكر بن خنيس فأكثر كلمة المحدثين على تضعيفه ونكارة حديثه .
انظر "تهذيب التهذيب" (1/428).
فلا وجه لقول الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : إسناده
جيد. وعليه اعتمد الشيخ الألباني في تحسينه في "صحيح الجامع" (6026)
لأنه لم يطلع على سنده في "مسند الشاميين" إذ لم يكن قد طبع بعد.
2-
عن أم
سلمة
رضي الله عنها : أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال : ((من
قال كل يوم اللهم اغفر لى وللمؤمنين والمؤمنات ألحق به من كل مؤمن حسنة)) رواه
الطبراني في الكبير(23/370) .
وفي إسناده أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي ، جاء في ترجمته في
"ميزان الاعتدال" (1/255) : " قال يحيى : (ضعيف) ، (ليس حديثه
بشيء) ، وقال مرة : (متروك الحديث) . وقال النسائي والدارقطني : (متروك) . وقد مشاه شعبة ، وقال : (اكتبوا
عنه ، فإنه شريف) . وقال
البخاري : سكتوا عنه . وذكره ابن عدى وساق له بضعة عشر حديثا معروفة ، لكنها منكرة
الاسناد " .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/210) : " فيه أبو
أمية بن يعلى وهو ضعيف ".
3-
عن أنس
رضي الله عنه ، جاء عنه من طريقين :
- من طريق
عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس عن النبي
صلي الله عليه وسلم بلفظ : ((من
استغفر للمؤمنين والمؤمنات رد الله عز و جل عليه من آدم فما دونه)) رواه البخاري
في "التاريخ الكبير" (4/219) والعقيلي في "الضعفاء" (2/182)
وابن بشران في "الأمالي" (برقم/244) وغيرهم .
قلتُ (عمر) : فيه علتان :
الأولى : ضعف شعيب بن كيسان ،
والثاني : الانقطاع بينه وبين أنس ، فقد قال البخاري عقب إخراجه له :
" لا يعرف له سماع من أنس ، ولا يتابع عليه ".
لذلك ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/277) في منكراته
، وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/ 321) : وسنده ضعيف ، وقال الشيخ
الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5976) : " منكر ".
- من طريق
معمر عن أبان عن أنس مرفوعاً بلفظ: (( ما من عبد يدعو للمؤمنين والمؤمنات إلا رد
الله عليه عن كل مؤمن ومؤمنة مضى أو هو كائن إلى يوم القيامة بمثل ما دعا به ) رواه عبد الرزاق في "المصنف"
(2/217).
قلت : وأبان الذي يروي عنه معمر بن
راشد هو ابن أبي عياش اتفقت كلمة المحدثين على تضعيفه وتركه . انظر "تهذيب
التهذيب" (1/99).
4-
عن أبى
الدرداء
رضي الله عنه قال سمعت رسول الله
صلي الله عليه وسلم يقول: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم
سبعا وعشرين مرة أو خمسا وعشرين مرة أحد العددين كان من الذين يستجاب لهم ويرزق
بهم أهل الأرض))
قال الهيثمي في "مجمع
الزوائد" (10/210) :
"رواه الطبراني وفيه عثمان بن أبى العاتكة ، وقال فيه حدثت عن أم الدرداء ،
وعثمان هذا وثقه غير واحد وضعفه الجمهور ، وبقية رجاله المسمين ثقات " .
5-
عن أبى
هريرة
رضي الله عنه قال رسول الله
صلي الله عليه وسلم : ((من لم يكن عنده مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات
فانها صدقة )) رواه الطبراني في
"المعجم الأوسط" (3/128) ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"
(10/210) : " فيه من لم أعرفهم ".
6- عن أبي
سعيد الخدري
رضي الله عنه عن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال : (( أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه
: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات ، فإنها زكاة ))
رواه ابن حبان (3/185) في صحيحه ، وإسناده ضعيف ؛ لأنه من رواية دراج عن أبي
الهيثم ، وقد ضعفها أحمد وأبو داود وغيرهما ، انظر "تهذيب التهذيب"
(3/209).
ثانياً:
فضل الدعاء للمؤمنين والمؤمنات
الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام ، فقد دعا به نوح عليه السلام : (( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) (نوح/28).
ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال:((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )) (إبراهيم/41).
وأمر الله سبحانه وتعالي نبيه أن يدعو به فقال : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) (محمد/19).
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) (الحشر/10).
الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات من دعاء الرسل والأنبياء الكرام ، فقد دعا به نوح عليه السلام : (( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) (نوح/28).
ودعا به إبراهيم عليه السلام فقال:((رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )) (إبراهيم/41).
وأمر الله سبحانه وتعالي نبيه أن يدعو به فقال : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )) (محمد/19).
وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) (الحشر/10).
فيستحب لجميع المسلمين الدعاء بالمغفر لإخوانهم المسلمين ، الأحياء
منهم والميتين ، ولا شك أن الملائكة ستؤمن على دعائه وسيأتيه مثل ما دعا به.
روى عبد الرزاق في "المصنف" (2/217): عن ابن جريج قال : قلتُ لعطاء : أَستَغفرُ للمؤمنين والمؤمنات ؟ قال : نعم ، قد أُمر النبيُّ
صلي الله عليه وسلم بذلك ، فإنَّ ذلك الواجبَ على الناس ، قال الله لنبيِّه
صلي الله عليه وسلم : (( وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ )) ، قلتُ
: أفتدع ذلك في المكتوبة أبداً ؟ قال : لا ، قلت : فبِمَن تبدأ، بنفسك أم
بالمؤمنين ؟، قال : بل بنفسي، كما قال الله : ((وَاسْتَغْفِرْ
لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ )) "
انتهى .
يقول ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/298-299) : "والجميعُ
مشتركون في الحاجة بل في الضرورة إلى مغفرةِ الله وعفوِه ورحمتِه ، فكما يُحبُّ -
أي المسلم - أن يَستغفرَ له أخوه المسلمُ ، كذلك هو أيضاً ينبغي أن يستغفرَ لأخيه
المسلم ، فيصير هِجِّيراه : ربِّ اغفر لي ولوالديَّ وللمسلمين والمسلمات وللمؤمنين
والمؤمنات ، وقد كان بعضُ السلف يستحبُّ لكلِّ أحدٍ أن يُداوم على هذا الدعاء كلَّ
يوم سبعين مرَّة ، فيجعل له منه وِرداً لا يُخلُّ به ، وسمعتُ شيخَنا - أي ابن
تيمية – يذكرُه ، وذكر فيه فضلاً عظيماً لا أحفظه ، وربَّما كان مِن جملة أوراده التي لا يُخلُّ بها ، وسمعتُه يقول
: إنَّ جعلَه بين السجدتين جائزٌ ، فإذا شهدَ العبدُ أنَّ إخوانه مصابون بمثل ما
أُصيب به ، محتاجون إلى ما هو محتاجٌ إليه لَم يمتنع من مساعدتهم إلاَّ لفرطِ جهله
بمغفرة الله وفضلِه ، وحقيقٌ بهذا أن لا يُساعَد ، فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل ".
فتضعيف الأحاديث السابقة هو تضعيف لأن تكون من كلام النبي
صلي الله عليه وسلم ، ولخصوص الأجور المذكورة فيها ، وذلك لا يعني
عدم استحباب الاستغفار لجميع المسلمين والمسلمات .
والله أعلم ، وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد.
عمر بن محمد عمر عبد الرحمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق