ترديد الجبال مع نبي الله داود (عليه السلام) ليس هو الصدى ، بل
هو تسبيح حقيقي ، بدليل :
ظاهر الآية ، والتي أكدت ذلك بأسلوب لا يحتمل
غيره ، لمن تأمله :
أولا : الصدى هو ترديد للصوت المرتفع مطلقا ، ولا
يختص ذلك بداود (عليه السلام) ، ولا بالتسبيح وحده ، فما فائدة تخصيص داود (عليه
السلام) به .
ثانيا : أمر الله تعالى للجبال بالترديد معه
(عليه السلام) { يٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ } ، يدل على أن ترديدها هذا أمر يخرج
عن ترديد الجبال المعتاد بالصدى المعروف ؛ لأن الله تعالى أمرها أمرا خاصا به .
ثالثا : لو كانت الآية قد ذكرت الجبال وحدها لكان
احتمال كون الترديد هو مجرد الصدى واردا ، لكن أن يكون الأمر موجها للجبال والطيور
، فهذا يدل على أن الأمر الواحد الذي جمعهما ليس هو الصدى ؛ لأن الطيور لا علاقة
لها بالصدى .
ولا يصح أن يكون أمر واحد دالا
عن معنيين متغايرين { يٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } ، فيكون الأمر
للجبال بفعل الصدى (الذي تفعله بغير إرادة مع كل أحد ولكل صوت) ، ويكون للطيور هو
التسبيح .
رابعا : لو كانت الآية هكذا :
(ياطيور أوبي معه والجبال) ، لأمكن أن يقال : إن الأمر للطيور وحدها ، وأما الجبال
فكانت تردد الصدى ، فالعطف حينها لا على الأمر بالتسبيح ، وإنما على بيان الواقع :
فالطيور كانت تسبح مع داود (عليه السلام) ، وكانت الجبال ترجع صوت تسبيحهما
.
لكن الآية لم تكن كذلك ، فجعلت
الأمر موجها ابتداء للجبال ، وعطفت الطيور عليها فيه : فدلت بأسلوب معجز مختصر على
المعنى : فالجبال هي المأمورة أساسا بالتسبيح ، وأما الطير فلا يمكن أن يكون
ترديدها هو الصدى (كما سبق) ، فدل ذلك على أنهما جميعا كانوا يسبحون
.
أخيرا : تخيلوا مشاعر داود (
عليه السلام) والجبال والطيور من حوله تردد معه تلاوته الشجية ، أي حب وأنس سيجده
بهذا الاجتماع على حب الله تعالى والأنس به !
{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدُ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ
أَوِّبِى مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ } .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق