الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

قراءة سورة الإخلاص ، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام أثناء صلاة التراويح بين الاتباع والابتداع .


يثار جدل واسع النطاق بين بعض طوائف الشعب المصري حول الحكم الشرعي لقراءة سورة الإخلاص بين صلاة التراويح ، وكذا الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بطرق وأساليب معينة كأن يقول القائل : ألف صلاة عليك يا رسول الله وغير ذلك من الصيغ ، التي يرددها البعض ، فما الحكم الشرعي لهذه التصرفات ؟
اختلف الفقهاء في حكم هذه التصرفات على رأيين :-  
الرأي الأول : ويرى القائلون به حرمة قراءة سورة الإخلاص ، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين الركعات ، ويرون أن هذا من قبيل الابتداع في الدين ، وهو مما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .
ويعضد القائلون بهذا الاتجاه رأيهم بالآتي :-
 – 1قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ومن يفعل ذلك في صلاة التراويح فقد زاد شيئا لم يشرعه الله عز وجل ، وأدخل في الدين ما ليس منه فيكون غير مقبول ، بل ومبتدع .
 – 2قوله عليه الصلاة والسلام ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية ( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد).
– 3قوله عليه الصلاة والسلام ( أوصيكم بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وان كان عَبْداً حَبَشِيًّا فإنه من يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بعدي اخْتِلاَفاً كَثِيراً فَعَلَيْكُمْ بسنتي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فان كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وان كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ) رواه أحمد 
 – 4ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي الأَحْوَصِ عن عبد اللَّهِ قال إنما هُمَا اثْنَتَانِ الْهَدْيُ وَالْكَلامُ وَأَصْدَقُ الحديث كَلامُ اللَّهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ في النَّارِ".
 – 5ويرى القائلون بهذا الرأي أن من يفعل ذلك جاهلا فعليه أن يعرف وأن ينصح بعدم تكرار ذلك ، وإن لم يرجع فلا توبة له لأنه مبتدع في الدين ما ليس منه ، كما يرون أنه أسوأ حالا من الزاني ، وإن كان عالما فهو أشد سوءً وحالا من سابقه ممن علم ولم يرجع عن فعله .
 الرأي الثاني : ويرى القائلون به أن قراءة سورة الإخلاص والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء صلاة التراويح جائزة ومشروعة ولا غبار عليها .
 وأصحاب هذا الرأي عضدوا قولهم بالآتي :
 – 1عن أبي سَعِيدٍ الخدري عَنِ النبي عليه الصلاة والسلام انه قال أَيَعْجِزُ أحدكم ان يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ في لَيْلَةٍ ؟ قال فَشَقَّ ذلك على أَصْحَابِهِ فَقَالُوا من يُطِيقُ ذلك قال يَقْرَأُ قُلْ هو الله أَحَدٌ فهي ثُلُثُ الْقُرْآنِ " رواه الإمام أحمد 
 – 2ما رواه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا على سَرِيَّةٍ وكان يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ في صلاته فَيَخْتِمُ ب قل هو الله أَحَدٌ فلما رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلك لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذلك فَسَأَلُوهُ فقال لِأَنَّهَا صِفَةُ الرحمن وأنا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بها فقال النبي أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ).
فقد دل هذا الحديث والذي قبله دلالة واضحة على مشروعية قراءة سورة الإخلاص وهو بعمومه يتناول عموم الزمان والمكان والأفراد والأحوال ، إلا ما خصه الدليل من حرمة قراءة القرآن أثناء الجنابة وأثناء قضاء الحاجة ، وغير ذلك من الأوقات والأحوال التي نهى الإسلام فيها عن قراءة القرآن ، أما ما عدا ذلك فيبقى على مقتضى العموم سالف الذكر .
وعلى من يدعي خلاف ذلك الإتيان بما يخصص عموم الأدلة سالفة الذكر .
 – 3قوله تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).
 قال الشوكاني في فتح القدير (وقد اختلف أهل العلم فى الصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام هل هى واجبة أم مستحبة ؟ بعد اتفاقهم على أن الصلاة عليه فرض فى العمر مرة وقد حكى هذا الإجماع القرطبى فى تفسيره فقال قوم من أهل العلم إنها واجبة عند ذكره وقال قوم تجب فى كل مجلس مرة وقد وردت أحاديث مصرحة بذم من سمع ذكر النبى عليه الصلاة والسلام فلم يصل عليه)
 – 4ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ أَنَّهُ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يقول ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فإنه من صلى عَلَيَّ صَلَاةً صلى الله عليه بها عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ في الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلا لِعَبْدٍ من عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أنا هو فَمَنْ سَأَلَ لي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ".
 – 5ما رواه الترمذي عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال أَوْلَى الناس بِي يوم الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً قال أبو عِيسَى هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من صلى عَلَيَّ صَلَاةً صلى الله عليه بها عَشْرًا وَكَتَبَ له بها عَشْرَ حَسَنَاتٍ".
وفي رواية عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من صلى عَلَيَّ صَلَاةً صلى الله عليه بها عَشْرًا قال الترمذي : وفي الْبَاب عن عبد الرحمن بن عَوْفٍ وَعَامِرِ بن رَبِيعَةَ وَعَمَّارٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَنَسٍ وَأُبَيِّ بن كَعْبٍ قال أبو عِيسَى حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وروى عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ من أَهْلِ الْعِلْمِ قالوا صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ ".
وجه الدلالة : أفادت الأدلة السابقة من الكتاب والسنة فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تخص وقتا دون وقت ولا مكانا دون مكان ، وأن فاعلها يستحق رحمة الله وكذا استغفار الملائكة ، فضلا عن تضعيف الثواب .
 والقاعدة الأصولية أن الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فمن ادعى - بلا دليل- أنها مُحَرَّمةٌ في وقت من الأوقات فقد ضيَّق ما وسَّعه الله تعالى؛ لأنه قيَّد المطلَق وخصَّص العامَّ بلا دليل، وهذا في نفسه نوع من أنواع البدعة المذمومة.
 قال العلامة الجصاص (إن ورود الأمر المطلق يقتضي عمومه جواز فعله في سائر الأزمان )
 وقال أبو الحسين البصري في المعتمد (أن الأمر المطلق يقتضي إيقاع الفعل لا محالة متى أمكن إيقاعه وإذا اقتضى ذلك اقتضى إيقاع ما يحتاج إليه الفعل وإنما قلنا إن المطلق يقتضي إيقاع الفعل على كل حال لأنه لو كان مقيدا بوقت نحو أن يقال اصعد السطح في هذا الوقت فانه يجري مجرى أن نقول له لا يخرج هذا الوقت إلا وقد صعدت السطح على كل حال متى تمكنت الصعود إذ ليس في لفظ الأمر ذكر الشرط )
الرأي الراجح :
 بعض العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة يتضح الآتي :
 – 1نحن نسلم أن كل عمل ليس عليه أمر المسلمين فهو مردود ، ونسلم أيضا أن الأصل في العبادة الاتباع وليس الابتداع ، ونسلم كذلك بأن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
 – 2نحن نسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه قرأ سورة الإخلاص بين الركعات ، وكذا الصحابة فلم يرد عنهم ذلك ، ولم يؤثر عنهم – فيما أعلم – قيامهم بالصلاة على النبي بين الركعات ، ولكن هل عدم الفعل من النبي والصحابة يدل على عدم مشروعية الفعل ؟
الذي يبدو لي أن عدم الفعل من النبي عليه الصلاة والسلام ، وكذا الصحابة رضوان الله عليهم ، لا يدل على عدم المشروعية ، لورود الدليل الدال على مشروعية ذلك في عموم الأزمنة والأمكنة والأشخاص ، والأحوال ، والقاعدة الأصولية أن العام يبقى على عمومه حتى يقوم الدليل على التخصيص ، وليس ثمة مخصص فيبقى الأمر على مقتضى العموم سالف ، وعلى من يدعي التخصيص الإتيان بما يصلح مخصصا لهذا العموم .
 – 3إن الأدلة التي استدل بها المخالف لا تنهض حجة في إثبات الدعوى التي هي عدم مشروعية قراءة سورة الإخلاص ، والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم ، أثناء التراويح ، لأنها خارجة عن محل النزاع ، فهي في حكم من ابتدع شيئا لم يقره الإسلام ، ولم يقل به كتاب ربنا ، ولا سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، ومحل النزاع وهو قراءة سورة الإخلاص ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مما دل على مشروعيته الكتاب والسنة ، على خلاف بين العلماء في صفة هذه المشروعية في الصلاة علي النبي عليه الصلاة والسلام هل هي على سبيل الوجوب أو الندب كما تقدم .
 – 4إن الصحابي الذي كان قائدا للصحابة في إحدى السرايا كان يختم قراءته في كل صلاة بسورة الإخلاص – وهو مما لم يكن يفعله عليه الصلاة والسلام – ولكن النبي سأله عن سر هذا الفعل وغايته فأخبره أنها صفة الرحمن وأنه يحب أن يختم بها فقال النبي أخبروه أن الله يحبه ، ولا شك أن من يقرأ سورة الإخلاص ، أو يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام غايته نبيله وهدفه محمود وهو نيل ثواب القراءة ، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وابتغاء شفاعته اله يوم القيامة وكل ذلك مشروع .
 – 5إن من يقرأ الإخلاص أو يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام لم يزد شيئا في الدين ، ولم يدخل في صلاة التراويح ما ليس منها ، وإنما قرأ بعد الصلاة ، وصلى على النبي بعدها ، ولو فعل ذلك أثناء الصلاة لكانت صحيحة ، فلو قرأ الإخلاص في كل ركعة لصحت صلاته ، وصلاته على النبي في كل تشهد واجبة ، فما جاز له فعله في الصلاة جاز له أن يفعله خارجها .
 6 ـ إن اعتبار من يفعل ذلك أسوأ من الزاني بحيث تقبل توبة الزاني ولا تقبل توبة من يقرأ سورة الإخلاص ويصلي علي النبي في التراويح ، قياس فاسد الاعتبار ، لعدم مشروعية الثاني ، ومشروعية الأول ، وإلحاق أحدهما بالآخر ينم عن عدم دراية بأحكام القياس وضوابطه وشروطه ، ولا بالقواعد الأصولية .
 – 7إذا كانت المسألة على هذا النحو سالف الذكر ، فلا يليق أن تطال كلماتنا وألستنا تصرفات الغير ، ووصفها بالبدعة ، ووصفهم بالمبتدعين ، والقاعدة الفقهية ( لا ينكر المختلف فيه ، وإنما ينكر المتفق عليه )
 – 8لكل ما تقدم أجد في نفسي ميلا واطمئنانا إلى ترجيح الرأي القائل بمشروعية قراءة سورة الإخلاص والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم أثناء صلاة التراويح – بين الركعات – لوجود النصوص الصحيحة الصريحة ، والتي تعم الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال ، إلا ما خصة الشرع بدليل ، - كعدم قراءة الجنب مثلا - أما ما عدا ذلك فيبقى على مقتضى العموم سالف الذكر
 – 9أختم بقول الإمام سفيان الثوري ( إنما الفقه الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد ) وأضيف أيضا إذا كان تصرف المكلف يحمل على الصحة من وجه ، وعلى عدم الصحة من وجه آخر فالأولى حمل تصرفات المكلفين على الصحة ما أمكن كما تقضي بذلك قواعد الشريعة العامة ، وأيضا ألا نصف الناس بالابتداع في الدين بغير دليل ، بل صحيح الأدلة وصريحها يؤيد ما نقول .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
د.عبد الحليم منصور
أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق