الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

التوجيه لحديث (لا يدخل الجنة ولد زنية)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
حديث: ((لا يدخل الجنة ولد زنية)) لا أعرف له إسناداً صحيحاً سالماً من العلل أو الشذوذ، وإن كان بعض أهل العلم قد صحح الحديث كابن حبان (رقم 3384، 3383) والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: رقم (673) وبعض أهل العلم حكم عليه بالوضع كابن الجوزي (رقم 1561-1566) وحكم أيضاً على حديث: ((ولد الزنا شر الثلاثة)) بشدة الضعف، فأورده في العلل المتناهية (رقم 1282-1283) في حين وصفه بعض أهل العلم بالاضطراب كالدارقطني، وبالضعف كالحافظ ابن حجر كما في القول المسدد له (49-50 رقم 10) والكلام فيه طويل جداً، ولو صح الحديث فقد اتفق أهل العلم أنه لا يُحمل على ظاهره؛ لأن الشريعة قد قررت حُكماً قطعياً، وهو: أن أحداً لا يحمل من إثم غيره شيئاً ما دام أنه لم يكن له يدٌ في وقوع غيره فيه.
فإن الله - تعالى - يقول: (ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم 38-39ٍ] وقال - سبحانه -: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) [البقرة: 286] وقال - عز وجل -: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون) [البقرة: 141، 134].
ولذلك فقد صح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقول عن ولد الزنا: "ليس عليه من وزر أبويه" قال الله: (لا تزر وازرة وزر أخرى) أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13861، 13860) وابن أبي شيبة (رقم 12543) وصح عن علي بن أبي طلحة أن ابن عباس أنكر على من قال: إنه شرُ الثلاثة، وقال: " لو كان شرَّ الثلاثة ما استُؤْني بأمَّه أن تُرجم حتى تضعه" أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (24/135-136) وانظره في الاستذكار (23/175) بل كان ابن عباس يقول: "هو خير الثلاثة" أخرجه عبد الرزاق (رقم 13863) ولذلك فإن لمن صحح الحديث تفاسير عِدة تُخرج الحديث عن معارضته الظاهرية المقرر القطعي السابق ذكره.
ومن أحسن هذه التوجيهات توجيه الإمام الطحاوي في بيان مشكل الأحاديث (2/372-373) حيث فسر كلمة (ولد زنية) الواردة في الحديث بأن المقصود بها من وقع منه الزنى وغلب عليه حتى صار يُنسب إليه، وبيَّن أن هذا أسلوب عربي صحيح، كما يُقال للمشتغلين بالدنيا بنو الدنيا، وكما وُصف المسافر المنقطع بـ(ابن السبيل) واستشهد الطحاوي لذلك ببيتين من الشعر تدل على هذا الاستخدام أيضاً، هذا والله أعلم.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الشريف د.حاتم بن عارف العوني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق